وأذنت النيابة العمومية في تونس بفتح تحقيقات على خلفية الأحداث التي شهدها مطار تونس قرطاج، الاثنين، حيث تهجم عدد من نواب ائتلاف الكرامة على الأمن من أجل تسفير سيدة محل متابعة أمنية “بالقوة”، فيما وضعت النيابة السيدة أمام أنظار القطب القضائي لمكافحة الإرهاب.
وكانت النقابة الجهوية لأمن مطار تونس قرطاج قد أكدت في تصريحات إعلامية، أن مساندين لائتلاف الكرامة “قاموا باستفزازات لا أخلاقية” تجاه الوحدات الأمنية في محاولة لتوريطهم، بعد أن تم منع السيدة من السفر على إثر مراسلة إدارية من وزارة الداخلية، لأنها “محظور سفرها”، غير أنها أرادت المرور بالقوة وساندها في ذلك رئيس ائتلاف الكرامة النائب سيف الدين مخلوف وعدد من أنصاره.
الحادثة كانت محل استهجان واسع من المواطنين ومنظمات المجتمع المدني والسياسيين، فتتالت ردود الفعل المطالبة بوضع حد لتصرفات كتلة الكرامة الموالية لحركة النهضة، التي تأتي سلوكا يخرج عن القانون وتمارس التهجم والعنف داخل البرلمان وخارجه.
ودان الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان له، ما سماها “الهمجية” التي “تصرف بها أعضاء من كتلة الإرهاب” في وصفه لكتلة ائتلاف الكرامة، واعتبر “ما قاموا به تلبسا يستوجب رفع الحصانة حالا، وتتبع المعتدين قانونيا”.
وقال الاتحاد في بيانه إنه “في الوقت الذي تغرق به البلاد في أزمة سياسية خانقة وتنحدر إلى حافة الهاوية اقتصاديا واجتماعيا، وفي الوقت الذي يعاني التونسيات والتونسيون من الغلاء والاحتكار وغياب أدنى مرافق الحياة، وفي ظل تفشي وباء كورونا وتعطل استيراد اللقاحات، تمعن كتلة ائتلاف الكرامة وحلفاؤها في التغطية على المأزق الذي أدخلوا فيه البلاد، وتواصل لعبة إلهاء الناس عن مشاكلهم الحقيقية، ولا تتردد في الاعتداء على الأحزاب والمنظمات وأجهزة الدولة والتطاول على القانون”.
فيما اعتبر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم، في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن ما فعله مخلوف “تجاوز لصلاحيات نائب شعب، ونوع من الدعاية من أجل الرصيد الانتخابي المقبل”.
ورغم أن الرابطة تطالب بمراجعة القرارات الأمنية الشبيهة بذلك الذي منع السيدة من السفر، لأن كثيرين تعرضوا للظلم بسببها حسب وجهة نظره، فإن مسلم يرى أن “ذلك لا يمكن إثباته إلا عبر الآليات القانونية، التي تقتضي التظلم لدى المحكمة الإدارية، خاصة أن المسألة تهم الأمن الوطني الداخلي والخارجي لتونس، ووحده القضاء يمكنه البت فيها”.
كما دعت الحقوقية والمستشارة الرئاسية السابقة سعيدة قرّاش في تدوينة لها، إلى “تطبيق القانون على مخلوف ونواب ائتلاف الكرامة، على خلفية الفوضى التي شهدها مطار تونس قرطاج بسبب اقتحامه من طرفهم”.
وقالت قراش إن “الفصل 69 من الدستور ينص على أنه إذا اعتصم النائب بالحصانة الجزائية كتابة، فإنه لا يمكن تتبعه أو إيقافه طيلة مدة نيابته في تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة، أما في حالة التلبس بالجريمة فإنه يمكن إيقافه”.
الاتجاه ذاته ذهب إليه حزب التيار الشعبي، الذي طالب في بيان برفع الحصانة عن “كتلة الإرهاب” وفق تعبيره، ودعا لتتبعها قضائيا، ودان هجوم ائتلاف الكرامة على مطار تونس قرطاج ومساندته لتونسية ممنوعة من السفر جراء شبهة الإرهاب.
وطالب الحزب “مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية وعموم الشعب بضرورة اليقظة والحذر أمام حالة الهيجان التي تعيشها النهضة وأذرعها البرلمانية والإعلامية والأمنية، نتيجة قرب انكشاف الملفات الإجرامية الخطيرة وتورطهم في منظومة الفساد والإرهاب لسنوات”، معتبرا أن “أهداف هذه الجماعات الإرهابية إضعاف الدولة وتفكيكها”.
وفي السياق ذاته، دعت كتلة الإصلاح داخل البرلمان النيابة العمومية لـ”التدخل الفوري إثر الجريمة التي ارتكبها مخلوف في مطار تونس قرطاج”، وعبرت عن “تضامنها المطلق مع الأمنيين بالمطار وكل العاملين فيه الذين تعرضوا للاعتداء والتهجم والمنع من ممارسة عملهم بما يمليه عليهم واجبهم المهني، في حماية الوطن من الإرهابيين والمجرمين والعابثين بأمن الدولة”.
ودعت الكتلة النيابة العمومية إلى “التدخل الفوري”، باعتبار ما حصل “جريمة تم ارتكابها في حالة تلبس واضح، ينتفي معها التمسك بالحصانة البرلمانية وفق أحكام الدستور والقانون”.
كما اعتبر النائب عن الكتلة الديمقراطية سالم لبيض، أن ما أتاه نواب ائتلاف الكرامة “فضيحة وجريمة دولة يسأل عنها رئيس الحكومة هشام المشيشي”، ووصفهم بـ”الدواعش الجدد الذين يدمرون ما تبقى من الدولة”.
وقال لبيض في منشور على صفحته بموقع “فيسبوك”، إن “المشيشي أثبت مرة أخرى محدوديته ووهنه وضعفه وعجزه عن الانتصار للدولة وحماية مؤسساتها السيادية”.
تجدر الإشارة إلى أن المشيشي توجه إلى المطار إثر حالة الفوضى التي حلت به، بعد اقتحامه من نواب ائتلاف الكرامة، وقال في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام المحلية إن “الحصانة لا يجب أن تكون غطاء لارتكاب أفعال خارجة عن القانون”.
وعلق المحلل السياسي محمد صالح العبيدي , قائلا إن “ممارسة العربدة السياسية باسم الحصانة البرلمانية من قبل ائتلاف الكرامة، تضعه محل متابعة قانونية قد تصل حد حل هذا الائتلاف، وهو أمر ممكن وفق قانون الأحزاب والدستور”.
وأضاف أن حادث الاعتداء على أعوان الجهاز التنفيذي “تعطي الأهلية لأصحاب القرار بالتحرك في اتجاه إحالة ملف تجاوزات ائتلاف الكرامة للقضاء، وحل هذا المكون السياسي، لأنه ليس فوق قواعد تنظيم الحياة السياسية”.
واعتبر العبيدي أن “ما قام به نواب ائتلاف الكرامة سابقة خطيرة، إذ تحصن نواب في البرلمان من أجل الاعتداء لفظيا على أعوان أمن، كما أن تونس مازالت تحت طائلة قانون الطوارئ، مما يمنح الدولة أحقية مراقبة المشبوهين في قضايا الإرهاب،
وبذلك يكون رئيس ائتلاف الكرامة ونوابه اليوم أمام مؤاخذة أخلاقية وقانونية، ويجب أن يكونوا محل تتبع قضائي من الممكن أن يقود إلى سحب عضويتهم من البرلمان”.
لكنه أضاف أن “التوازنات السياسية مازالت تخدم هذا الائتلاف الذي يحظى بدعم حركة النهضة، فضلا عن كون القضاء لم يتعاف بعد بالشكل الكافي الذي يؤهله للبت في كل التجاوزات، لذلك تقع المسؤولية على عاتق القوى التقدمية التي يجب أن تتحرك وفق منظومة العمل المدني، وليس وفق منظومة القضاء فقط، من أجل عزل ومحاسبة ممارسي العنف وداعمي الإرهاب في البلاد”.