التخطي إلى المحتوى

 بقلم : احمد غراب رئيس تحرير الحقيقيه نيوز

ومما‭ ‬يزيد‭ ‬المشهد‭ ‬بكاء‭ ‬والطين‭ ‬بلة‭ ‬هو‭ ‬السير‭ ‬بخشبة‭ ‬الميت‭ ‬فى‭ ‬أبعد‭ ‬الطرق‭ ‬عن‭ ‬المقابر؛‭ ‬لمجرد‭ ‬أن‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬يسكن‭ ‬حبيبه‭” ‬فلان”‭..‬
—————
لا‭ ‬يختلف‭ ‬اثنان‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬إكرام‭ ‬الميت‭ ‬هو‭ ‬التعجيل‭ ‬بدفنه؛‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬المناطق‭ ‬الريفية‭ ‬والشعبية‭ ‬لهم‭ ‬رأى‭ ‬آخر،‭ ‬حيث‭ ‬يختلفون‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬صلاة‭ ‬الجنازة‭ ‬فى‭ ‬قراءة‭ ‬سورة‭ ‬يس‭ ‬جهرا‭ ‬على‭ ‬المتوفى‭.. ‬بعضهم‭ ‬يقول‭: ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬عن‭ ‬الحبيب‭ ‬المصطفى‭ -‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭- ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬الصحابة‭ ‬والتابعين‭ -‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭- ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬يقول‭: ‬إنه‭ ‬ورد‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الصالحين،‭ ‬ولا‭ ‬بأس‭ ‬به‭. ‬ويستمر‭ ‬الجدال،‭ ‬وخلاله‭ ‬تبدأ‭ ‬القراءة‭.. ‬البعض‭ ‬يقرأ‭ ‬والبعض‭ ‬يشوش‭ ‬ويغلوش‭.‬

وأثناء‭ ‬الدفن‭ ‬يشتد‭ ‬الجدال‭ ‬وترتفع‭ ‬الأصوات‭ ‬بمجرد‭ ‬ظهور‭ ‬رجل‭ ‬يرفع‭ ‬يديه‭ ‬بالدعاء‭ ‬جهرا‭ ‬قائلا‭: ‬يا‭ ‬فلان‭ ‬ابن‭ ‬فلان”‭ ‬اسم‭ ‬المتوفى”‭ ‬إذا‭ ‬جاءك‭ ‬الملكان‭ ‬وسألاك‭.. ‬من‭ ‬ربك؟‭ ‬ومن‭ ‬رسولك؟‭ ‬وما‭ ‬دينك؟‭ ‬فقل‭: ‬ربى‭ ‬الله،‭ ‬ورسولى‭ ‬محمد،‭ ‬والإسلام‭ ‬دينى‭. ‬البعض‭ ‬يؤمن‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬الميت‭ ‬يسمع‭ ‬قرع‭ ‬نعال‭ ‬المشيعين،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الدعاء‭ ‬ورد‭ ‬عن‭ ‬الصالحين،‭ ‬ولا‭ ‬بأس‭ ‬به،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬معترض‭ ‬ويشوش‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الدعاء‭ ‬لا‭ ‬أصل‭ ‬له‭!!‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬المقام‭ ‬مقام‭ ‬موعظة‭ ‬وعبرة‭ ‬ودعاء‭ ‬واستغفار‭ ‬للمتوفى،‭ ‬لا‭ ‬مقام‭ ‬جدال‭ ‬واختلاف‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬صغيرة‭ ‬وكبيرة‭ ‬لقول‭ ‬الحبيب‭ ‬المصطفى‭ -‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام: ‬كفى‭ ‬بالموت‭ ‬واعظا” ‬فإن‭ ‬الجدال‭ ‬قد‭ ‬يتطور‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬شجار،‭ ‬خاصة‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬مثيرى‭ ‬الجدال‭ ‬والاختلاف‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أقارب‭ ‬المتوفى،‭ ‬ومما‭ ‬يزيد‭ ‬المشهد‭ ‬بكاء‭ ‬والطين‭ ‬بلة‭ ‬هو‭ ‬السير‭ ‬بخشبة‭ ‬الميت‭ ‬فى‭ ‬أبعد‭ ‬الطرق‭ ‬عن‭ ‬المقابر؛‭ ‬لمجرد‭ ‬أن‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬يسكن‭ ‬حبيبه‭ ‬فلان ‬وصديقه‭ ‬تركان‭ ‬وأحيانا‭ ‬ينبهوننا‭ ‬للتوقف‭ ‬لأن‭ ‬خشبة‭ ‬المتوفى‭ ‬توقفت‭ ‬أمام‭ ‬بيت‭ ‬قريبه‭ “‬علان‭”!‬

‭‬الاغتيال المعنوى!!

ابتلانا‭ ‬الله‭ ‬بأناس‭ ‬يفتون‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أحكام‭ ‬الوضوء،‭ ‬والأقبح‭ ‬والأنكى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أمثالهم‭ ‬يتطاولون‭ ‬على‭ ‬الفقهاء‭ ‬والعلماء؛‭ ‬وهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬تتكرر‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬عصر‭ ‬وحين،‭ ‬فعندما‭ ‬أجاز‭ ‬الإمام‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬مفتى‭ ‬الديار‭ ‬المصرية‭ ‬الأسبق‭ -‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬الأخذ‭ ‬بالحسابات‭ ‬الفلكية‭ ‬فى‭ ‬بدايات‭ ‬الشهور‭ ‬القمرية‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬هاجوا‭ ‬وماجوا‭. ‬وفسر‭ ‬الإمام‭ ‬قول‭ ‬الحبيب‭ ‬المصطفى‭ -‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭-: ‬صوموا‭ ‬لرؤيته‭ ‬وافطروا‭ ‬لرؤيته‭ ‬بأنها‭ ‬رؤية‭ ‬ادراكية‭ ‬فكرية علمية‭ ‬كالتى‭ ‬وردت‭ ‬فى‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭: ‬ألم‭ ‬تر‭ ‬كيف‭ ‬فعل‭ ‬ربك‭ ‬بأصحاب‭ ‬الفيل‭” ‬وقوله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬ألم‭ ‬تر‭ ‬كيف‭ ‬ضرب‭ ‬الله‭ ‬مثلا‭ ‬كلمة‭ ‬طيبة‭ ‬كشجرة‭ ‬طيبة‭ ‬أصلها‭ ‬ثابت‭ ‬وفرعها‭ ‬فى‭ ‬السماء‭ ‬تؤتى‭ ‬أكلها‭ ‬كل‭ ‬حين‭ ‬بإذن‭ ‬ربها‭ ‬ويضرب‭ ‬الله‭ ‬الأمثال‭ ‬للناس‭ ‬لعلهم‭ ‬يتذكرون‭.‬

وفى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬غرقت‭ ‬العبارة‭ ‬السلام‭ ‬98‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الجثث؛‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬ذووهم‭ ‬استخراج‭ ‬شهادة‭ ‬وفاتهم‭ ‬وعمل‭ ‬إعلام‭ ‬وراثة،‭ ‬ونظرا‭ ‬لكثرة‭ ‬الحالات‭ ‬تم‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬قانونا‭ ‬وفقها‭ ‬فى‭ ‬اعتبار‭ ‬المتغيب‭ ‬ميتا‭ ‬بلا‭ ‬جثة؛‭ ‬حيث‭ ‬وجد‭ ‬الإمام‭ ‬الأكبر‭ ‬السابق‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬سيد‭ ‬طنطاوى‭ -‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬ان‭ ‬أيسر‭ ‬المذاهب‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬هو‭ ‬المذهب‭ ‬الجعفرى‭ ‬الذى‭ ‬يعتبر‭ ‬المتغيب‭ ‬ميتا‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬التيقن‭ ‬من‭ ‬وجوده‭ ‬بمسرح‭ ‬حادث‭ ‬معروف‭ ‬كغرقى‭ ‬حادث‭ ‬العبارة ‬أما‭ ‬أيسر‭ ‬الآراء‭ ‬بالمذاهب‭ ‬الأخرى‭ ‬فكان‭ ‬المذهب‭ ‬المالكى‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يعتبر‭ ‬المتغيب‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭ ‬ميتا‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬سنة‭ ‬كاملة؛‭ ‬فأشار‭ ‬الإمام‭ ‬بالأخذ‭ ‬بالرأى‭ ‬الأول؛‭ ‬تيسيرا‭ ‬على‭ ‬ذوى‭ ‬المتغيبين،‭ ‬ومنعا‭ ‬للحرج‭ ‬على‭ ‬أسرهم،‭ ‬واستخرجت‭ ‬شهادات‭ ‬الوفاة؛‭ ‬لكن‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعجبهم‭ ‬العجب‭ ‬ولا‭ ‬الصيام‭ ‬فى‭ ‬رجب‭ ‬قالوا‭: ‬إن‭ ‬الإمام‭ ‬أخذ‭ ‬برأى‭ ‬الشيعة‭.‬

أما‭ ‬أبشع‭ ‬مظاهر‭ ‬الاغتيال‭ ‬المعنوى‭ ‬فهو‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬الإمام‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬حنبل‭ ‬لمجرد‭ ‬أنه‭ ‬راعى‭ ‬ضميره‭ ‬ودينه‭ ‬بالامتناع‭ ‬عن‭ ‬القول‭ ‬بخلق‭ ‬القرآن،‭ ‬وقال‭: ‬إن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬كلام‭ ‬الله‭ ‬ولا‭ ‬أزيد‭؛ ‬حيث‭ ‬أمر‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسى‭ ‬المأمون‭ ‬بسجنه‭ ‬وضربه‭ ‬حتى‭ ‬شلت‭ ‬يده‭. ‬وكان‭ ‬المأمون‭ ‬يتبنى‭ ‬أفكار‭ ‬فرقة‭ ‬المعتزلة‭ ‬الذين‭ ‬يقولون‭: ‬إن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬مخلوق‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬الواحد‭ ‬الأزلى‭ ‬الأبدى،‭ ‬ولا‭ ‬أزلى‭ ‬غيره‭.‬

الحوكمة وسنينها!!

بعد‭ ‬أزمة‭ ‬بنك‭ ‬التجارة‭ ‬والاعتماد‭ ‬فى‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ ‬فكر‭ ‬رجال‭ ‬الإدارة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬فى‭ ‬وضع‭ ‬نوع‭ ‬دقيق‭ ‬من‭ ‬الرقابة‭ ‬الإدارية‭ ‬الشديدة؛‭ ‬لتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬مصالح‭ ‬جميع‭ ‬أطراف‭ ‬العمل‭ ‬وسموه‭ ‬بالحوكمة‭.‬

ارتبك‭ ‬علماء‭ ‬اللغة‭ ‬فى‭ ‬تسمية‭ ‬مصطلح‭ ‬الحوكمة‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬الأمر؛‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مصدر‭ ‬قياسى‭ ‬على‭ ‬وزن‭ ‬فوعلة‭ ‬فسموه‭ ‬الحكمانية‭ ‬وفى‭ ‬مرحلة‭ ‬تالية‭ ‬الحاكمية‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬وجدوا‭ ‬أن‭ ‬مصطلح‭ ‬الحوكمة‭ ‬هو‭ ‬الأدق،‭ ‬ولأنه‭ ‬لا‭ ‬مشاحة‭ ‬ولا‭ ‬جدال‭ ‬فى‭ ‬الاصطلاح؛‭ ‬فالذى‭ ‬يهمنا‭ ‬هو‭ ‬مضمونه‭ ‬الذى‭ ‬يعتبر‭ ‬ابن‭ ‬بيئتنا‭.‬

استعمل‭ ‬الحبيب‭ ‬المصطفى‭ -‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭- ‬صحابيا‭ ‬يدعى‭ ‬ابن‭ ‬اللتبية‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬صدقات‭ ‬قومه‭ ‬من‭ ‬بنى‭ ‬الأزد،‭ ‬فلما‭ ‬جاء‭ ‬للرسول‭ ‬حاسبه؛‭ ‬فقال‭ ‬ابن‭ ‬اللتبية‭: ‬هذا‭ ‬لكم،‭ ‬وهذا‭ ‬أهدى‭ ‬لى،‭ ‬قال‭ ‬الحبيب‭ ‬المصطفى‭ ‬غاضبا‭: ‬هلا‭ ‬جلست‭ ‬فى‭ ‬بيت‭ ‬أبيك‭ ‬وأمك ‬ثم‭ ‬قام‭ ‬النبى‭ ‬فخطب‭ ‬فى‭ ‬الناس‭: ‬إنى‭ ‬أستعمل‭ ‬الرجل‭ ‬منكم‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬فيما‭ ‬ولانى‭ ‬الله،‭ ‬فيأتينى‭ ‬فيقول‭: ‬هذا‭ ‬لكم،‭ ‬وهذا‭ ‬هدية‭ ‬أهديت‭ ‬لى،‭ ‬أفلا‭ ‬جلس‭ ‬فى‭ ‬بيت‭ ‬أبيه‭ ‬وأمه‭ ‬حتى‭ ‬تأتيه‭ ‬هديته‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬صادقا‭.‬

ولما‭ ‬عاد‭ ‬الصحابى‭ ‬الجليل‭ ‬معاذ‭ ‬بن‭ ‬جبل‭ -‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭- ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬دخل‭ ‬على‭ ‬الخليفة‭ ‬أبى‭ ‬بكر‭ ‬الصديق‭ -‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭- ‬فقال‭ ‬أبوبكر‭: ‬ارفع‭ ‬حسابك‭ ‬قال‭ ‬معاذ‭: ‬أحسابان‭.. ‬حساب‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬وحساب‭ ‬منكم؟‭! ‬والله‭ ‬لا‭ ‬ألى‭ ‬لكم‭ ‬عملا‭ ‬أبدا‭.‬

أليست‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬فى‭ ‬تراثنا‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الحوكمة،‭ ‬وترجمة‭ ‬عملية‭ ‬لأحكام‭ ‬وتعاليم‭ ‬ديننا‭ ‬الحنيف؟‭! ‬فالحبيب‭ ‬المصطفى‭ ‬يقول‭: ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يحب‭ ‬إذا‭ ‬عمل‭ ‬أحدكم‭ ‬عملا‭ ‬أن‭ ‬يتقنه.‭ ‬وما‭ ‬ورد‭ ‬عن‭ ‬الصحابة‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬لعن‭ ‬الراشى‭ ‬والمرتشى‭ ‬والرائش‭ ‬بينهما‭. ‬ووصولا‭ ‬للمعنى‭ ‬الأشمل‭ ‬للحوكمة‭ ‬نجد‭ ‬أحاديث‭ ‬مثل‭ ‬من‭ ‬غش‭ ‬فليس‭ ‬منا. ‬وكلكم‭ ‬راع،‭ ‬وكلكم‭ ‬مسئول‭ ‬عن‭ ‬رعيته‭..‬

وفى‭ ‬دراسة‭ ‬أثر‭ ‬الحوكمة‭ ‬فى‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬شركات‭ ‬التأمين‭ ‬التكافلى‭ ‬للدكتور‭ ‬نصر‭ ‬جعفر‭ ‬سلامة‭ ‬عرض‭ ‬الباحث‭ ‬للجذور‭ ‬الفقهية‭ ‬للحوكمة،‭ ‬وبين‭ ‬مدى‭ ‬اهتمام‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بعملية‭ ‬التأمين‭ ‬التكافلى‭ ‬باعتبارها‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مقومات‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادى‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬مجتمع‭.‬

حكاية قصر العينى!!

فى‭ ‬صحن‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر‭ ‬جلس‭ ‬الشيخ‭ ‬يحاور‭ ‬تلاميذه‭ ‬ومريديه‭ ‬حول‭ ‬حديث‭ ‬الحبيب‭ ‬المصطفى‭ -‬عليه‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭- ‬إذا‭ ‬مات‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬انقطع‭ ‬عمله‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭: ‬صدقة‭ ‬جارية،‭ ‬أو‭ ‬علم‭ ‬ينتفع‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬ولد‭ ‬صالح‭ ‬يدعو‭ ‬له . ‬قال‭ ‬الشيخ‭: ‬إن‭ ‬الصدقة‭ ‬يأخذها‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬فى‭ ‬أيادى‭ ‬الفقراء‭ ‬والمساكين؛‭ ‬فعلق‭ ‬أحد‭ ‬الحاضرين‭: ‬كيف‭ ‬ذلك‭ ‬يا‭ ‬مولانا؟‭! ‬قال‭: ‬ألم‭ ‬تسمع‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل: ‬ألم‭ ‬يعلموا‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬يقبل‭ ‬التوبة‭ ‬عن‭ ‬عباده‭ ‬ويأخذ‭ ‬الصدقات‭ ‬وأن‭ ‬الله‭ ‬هو‭ ‬التواب‭ ‬الرحيم؟‭ ‬فرد‭ ‬السائل‭: ‬ويتوب‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬العبد‭ ‬ويرحمه‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬ذنوبه؟‭! ‬قال‭: ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬يبدلها‭ ‬الله‭ ‬حسنات،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أرقى‭ ‬وأسمى،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬يصلى‭ ‬عليك‭ ‬سيدنا‭ ‬محمد‭ -‬عليه‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭- ‬وتتنزل‭ ‬عليك‭ ‬السكينة‭ ‬والبركات؛‭ ‬فقاطعه‭ ‬الرجل‭ ‬مندهشا‭: ‬كيف‭ ‬هذا؟‭! ‬قال‭: ‬ألم‭ ‬يقل‭ ‬ربنا‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬خذ‭ ‬من‭ ‬أموالهم‭ ‬صدقة‭ ‬تطهرهم‭ ‬وتزكيهم‭ ‬بها‭ ‬وصلِّ‭ ‬عليهم‭ ‬إن‭ ‬صلاتك‭ ‬سكن‭ ‬لهم‭..‬

ولأن‭ ‬الحوار‭ ‬تطرق‭ ‬لقضايا‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المقام‭ ‬لذكرها‭ ‬أعرفكم‭ ‬بالمُحاور‭ ‬وهو‭ ‬القاضى‭ ‬بدر‭ ‬الدين‭ ‬محمد‭ ‬العينى‭ ‬باشا‭ ‬صاحب‭ ‬صدقة‭ ‬جارية‭ ‬استفاد‭ ‬منها‭ -‬ولايزال‭- ‬العالم‭ ‬كله؛‭ ‬فقصر‭ ‬العينى‭ ‬بقلب‭ ‬القاهرة‭ ‬ودوره‭ ‬فى‭ ‬علاج‭ ‬المرضى‭ ‬وتخريج‭ ‬أعظم‭ ‬الأطباء‭ ‬غنى‭ ‬عن‭ ‬التعريف،‭ ‬أما‭ ‬الشيخ‭ ‬فهو‭ ‬الفقيه‭ ‬ابن‭ ‬حجر‭ ‬العسقلانى‭ ‬صاحب‭ ‬كتاب‭ ‬فتح‭ ‬البارى‭ ‬فى‭ ‬شرح‭ ‬صحيح‭ ‬البخارى‭.‬

فى‭ ‬أوقات‭ ‬الشدة‭ ‬والابتلاءات‭ ‬كان‭ ‬الحبيب‭ ‬المصطفى‭ -‬عليه‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭- ‬يخطب‭ ‬فى‭ ‬الناس،‭ ‬ويحثهم‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬الصدقات؛‭ ‬فجاءه‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬بن‭ ‬عوف‭ -‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنه‭- ‬بأربعة‭ ‬آلاف‭ ‬درهم،‭ ‬وقال‭: ‬يا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭.. ‬إن‭ ‬مالى‭ ‬كله‭ ‬ثمانية‭ ‬آلاف‭ ‬درهم،‭ ‬جئتك‭ ‬بنصفها،‭ ‬فاجعلها‭ ‬فى‭ ‬سبيل‭ ‬الله،‭ ‬وأمسكت‭ ‬نصفها‭ ‬لعيالى؛‭ ‬فقال‭ ‬الحبيب‭ ‬المصطفى‭: ‬بارك‭ ‬الله‭ ‬لك‭ ‬فيما‭ ‬أعطيت،‭ ‬وفيما‭ ‬أمسكت ؛‭ ‬فاصبح‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬بن‭ ‬عوف‭ ‬بعدها‭ ‬أغنى‭ ‬أغنياء‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة؛‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬ظل‭ ‬متواضعا‭ ‬بسيطا‭ ‬فى‭ ‬لبسه‭ ‬ومعاملاته‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الفقراء‭ ‬والمساكين؛‭ ‬ليقربهم‭ ‬منه،‭ ‬فأمثاله‭ ‬وأمثال‭ ‬القاضى‭ ‬بدر‭ ‬الدين‭ ‬العينى‭ ‬نحسبهم‭ ‬أغنياء‭ ‬من‭ ‬التعفف‭ ‬عن‭ ‬متاع‭ ‬الدنيا‭ ‬وغرورها‭.‬

‭ ‬من أنتم؟!

محاولات‭ ‬التقرب‭ ‬من‭ ‬علية‭ ‬القوم‭ ‬والتزلف‭ ‬إلى‭ ‬مشاهير‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬تنتهى‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وزمان،‭ ‬بالأفراح‭ ‬والأتراح،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬يعينون‭ ‬فى‭ ‬منصب‭ ‬مرموق‭ ‬أو‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬تقدير‭ ‬دولية،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬الانتشار‭ ‬الهائل‭ ‬للسوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬طفح‭ ‬الكيل‭ ‬وزاد‭ ‬الخرق‭ ‬على‭ ‬الراتق،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬فى‭ ‬قوس‭ ‬الصبر‭ ‬منزع،‭ ‬وأصبح‭ ‬الكثيرون‭ ‬يدعون‭ ‬قرابتهم‭ ‬لفلان‭ ‬أو‭ ‬علان‭ ‬من‭ ‬المشاهير‭ ‬وذوى‭ ‬المناصب‭ ‬العليا‭ ‬لمجرد‭ ‬التشابه‭ ‬فى‭ ‬اسم‭ ‬سابع‭ ‬أو‭ ‬عاشر‭ ‬جد‭.‬

ويتطوع‭ ‬أمثال‭ ‬هؤلاء‭ ‬بمناسبة‭ ‬ودون‭ ‬مناسبة‭ ‬بسرد‭ ‬الحكايات‭ ‬الأساطير‭ ‬والملاحم‭ ‬فى‭ ‬تاريخهم‭ ‬العائلى‭ ‬الضارب‭ ‬فى‭ ‬جذور‭ ‬الزمن‭ ‬حتى‭ ‬بدايته،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬أشعب‭ ‬فى‭ ‬عصر‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسى‭ ‬أبى‭ ‬جعفر‭ ‬المنصور؛‭ ‬حيث‭ ‬اعتاد‭ ‬أشعب‭ ‬حضور‭ ‬ولائم‭ ‬واحتفالات‭ ‬الخليفة‭ ‬دون‭ ‬دعوة،‭ ‬فسأله‭ ‬الخليفة‭: ‬من‭ ‬الذى‭ ‬يدعوك‭ ‬إلى‭ ‬ولائمنا‭ ‬واحتفالاتنا؟‭ ‬قال‭ ‬أشعب‭: ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭.. ‬بينى‭ ‬وبينكم‭ ‬صلة‭ ‬رحم‭ ‬مقطوعة،‭ ‬أسعى‭ ‬إلى‭ ‬وصلها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أكون‭ ‬قاطع‭ ‬رحم،‭ ‬قال‭ ‬الخليفة‭: ‬وما‭ ‬صلة‭ ‬الرحم‭ ‬هذه؟‭ ‬أجاب‭ ‬أشعب‭: ‬أنا‭ ‬وأنت‭ ‬وجميع‭ ‬من‭ ‬بالوليمة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬آدم‭ ‬وحواء،‭ ‬وقطعت‭ ‬صلة‭ ‬الرحم‭ ‬بيننا،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬الخليفة‭ ‬مبتسما‭: ‬نحن‭ ‬أولى‭ ‬بصلة‭ ‬الرحم‭ ‬منك،‭ ‬وأخذ‭ ‬أشعب‭ ‬ينظر‭ ‬بانبهار‭ ‬للخاتم‭ ‬الذى‭ ‬بيد‭ ‬الخليفة‭ ‬فسأله‭: ‬هل‭ ‬رأيت‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الخاتم‭ ‬يا‭ ‬أشعب؟‭ ‬قال‭: ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أجمل‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬اليد‭ ‬التى‭ ‬وضع‭ ‬فيها،‭ ‬فاهداه‭ ‬الخليفة‭ ‬الخاتم،‭ ‬وقال‭: ‬أنت‭ ‬مدعو‭ ‬منى‭ ‬مسبقا‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ولائمنا‭ ‬واحتفالاتنا‭ ‬ومسامراتنا‭!!‬

ليت‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬طفيليى‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ ‬يتمتعون‭ ‬بثقافة‭ ‬وخفة‭ ‬ظل‭ ‬أشعب،‭ ‬فنغفر‭ ‬لهم‭ ‬الهبد‭ ‬والرزع‭ ‬فى‭ ‬عقولنا‭ ‬ليل‭ ‬نهار،‭ ‬لكن‭ ‬تبدو‭ ‬فيهم‭ ‬بوضوح‭ ‬لغة‭ ‬التفاخر‭ ‬والعنجهية‭ ‬والاستعلاء‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بالانتساب‭ ‬لأسر‭ ‬عريقة‭ ‬ضاربة‭ ‬فى‭ ‬جذور‭ ‬التاريخ‭ ‬مثلهم‭ ‬متناسين‭ ‬ومتجاهلين‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭:‬

وما‭ ‬المرء‭ ‬إلا‭ ‬هالك‭ ‬وابن‭ ‬هالك‭..
‭ ‬وذو‭ ‬نسب‭ ‬فى‭ ‬الهالكين‭ ‬تليد

لا‭ ‬يعقل‭ -‬ونحن‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الحادى‭ ‬والعشرين‭- ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬بيننا‭ ‬من‭ ‬يدعو‭ ‬بدعوى‭ ‬الجاهلية‭ ‬متسائلا‭ ‬ومستنكرا‭: ‬انت‭ ‬مش‭ ‬عارف‭ ‬أنا‭ ‬ابن‭ ‬من‭ ‬فى‭ ‬مصر؟‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬طفل‭ ‬المرور‭ ‬وأصحابه‭!‬