كتب: عمرو فاضل
– قبل ما يقرب من شهرين، غادرت سفينة “إكسبلورر رقم 1” التابعة لشركة بي واي دي من الميناء في مدينة “شنتشن بجنوبي” الصين، وعلى متنها 5449 مركبة كهربائية صينية، ووصلت إلى موانئ في هولندا وألمانيا على التوالي مؤخرا. ويتضمن خط سير السفينة التي يبلغ طولها 200 متر، مضيق ملقا، والمحيط الهندي، والدوران حول رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي لأفريقيا، والدخول أخيرا المياه الأوروبية.
إن مسار إبحارها يكاد يكون عكس مسار أكثر من 40 سفينة حربية انطلقت من بريطانيا إلى الصين قبل 184 عامًا. ونعلم جميعًا، أن تلك البوارج أشعلت في النهاية حرب الأفيون (1840). وأن الزوارق الحربية التابعة للإمبراطورية البريطانية قد فتحت أبواب السوق على مصراعيها عندما هُزمت الصين في الحرب، ومنذ ذلك الحين، دخلت سفن الشحن المليئة بالأفيون إلى الصين دون عوائق، فتحطمت البلاد بالكامل.
لقد تغير الزمن، وأصبح تطور الصين مختلفاً تماماً عن مسار توسع الهيمنة الذي تبنته الإمبراطورية البريطانية. ويمكن اعتبار “إبحار بي واي دي” بمثابة تقدم كبير، فهو لا ينطوي على صعود القوة، بل التكامل مع القواعد الاقتصادية والتجارية العالمية. وتتوافق السيارات الكهربائية التي تنتجها شركة بي واي دي مع معايير حماية البيئة والاستهلاكية الأوروبية مع الحفاظ على الجودة العالية، وقد حازت على استحسان العديد من المستهلكين الأوروبيين.
يتبغى على بعض البرلمانيين ووسائل الإعلام الأوروبية الذين يدعون إلى مقاطعة السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين، أن يفكروا أكثر في: ما الذي تغير في السفن التجارية التي تبحر من الصين إلى أوروبا بعد أكثر من 180 عاما؟ وإن تشبيهها في موقع نيكي باللغة الصينية بـ”السفن السوداء” الأمريكية التي أجبرت اليابان على فتح حدودها عام 1853، هو جهل وهراء.
وحتى يومنا هذا، لا يزال فهم الأوروبيين لحرب الأفيون قائماً على أن تجارة الأفيون هي التي أشعلت شرارة حرب الأفيون، وأن جوهرها هو الاختلال في التوازن التجاري بين الصين وبريطانيا. وبصراحة القول، فقد شعر البريطانيون في ذلك الوقت أنهم جمعوا مبلغًا بسيطًا من المال مقارنة بالصينين، وان هذا السبب وراء حرب الأفيون. ولا يزال سوء الفهم هذا أساسي للطبيعة التوسعية للقوى الغربية، ومستمر حتى يومنا هذا.
إن جوهر رأس المال هو التوسع، وكان صعود الإمبراطورية البريطانية مدعوماً بالتوسع. لكن التوسع في تلك الحقبة كان مدفوعاً بالنهب المسلح والاستعمار والحرب. ويرتبط توسع القوى العظمى والحرب ارتباطًا جوهريًا، وهما مترادفان بشكل أساسي. وهكذا، على الرغم من توسع الإمبراطورية البريطانية عالميًا من خلال بناء السفن، إلا أن نهجها الأساسي كان موازيًا للحرب. وفي ذلك الوقت، قامت القوى الغربية ببناء السفن لنقل البضائع، بما في ذلك الأفيون، إلى الصين والعالم، بالإضافة إلى السفن الحربية. ولقد تم بناؤها في نفس الوقت وأبحرت في نفس الاتجاه.
واستنادًا إلى هذه التجربة التاريخية، يعتقد العديد من العلماء الغربيين دائمًا أن تنمية الصين ستتبع نفس المسار، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى الصراعات والحروب. ما يدل على افتقارهم إلى الخبرة التاريخية في مجال التنمية السلمية، ناهيك عن النظريات ذات الصلة. ولا يزال سوء الفهم لرؤية الصين التاريخية للتنمية يحدد موقفهم الأساسي وموقفهم تجاه تحول الصين والتصنيع الصيني إلى العالمية.
وفي عام 2023، احتلت صادرات الصين الكاملة من السيارات المرتبة الأولى في العالم لأول مرة، وهذا تغيير تاريخي في صناعة التصنيع العالمية. وأبحرت سفينة شركة بي وي دي إلى أوروبا، حيث ستفتتح أكبر شركة هذه لتصنيع السيارات الكهربائية في العالم مصنعًا لها قريبًا. وتخطط للحصول على ثماني سفن دحرجة مخصصة في غضون عامين، يمكن لكل منها أن تحمل 7000 مركبة كهربائية، وبالتالي تشكيل “أسطول بحري” خاص بها. وكل هذا نتيجة لإصرار الصين على التنمية السلمية والعولمة.
إن انتهاء عصر التوسع الإمبراطوري، وبروز الصين والتصنيع الصيني نحو العالم، لا يعني أن الصراعات الناجمة عن التجارة قد انتهت، لكن إمكانية ومساحة حل النزاعات التجارية من خلال التعاون تتزايد تدريجياً. والمفتاح هو معرفة ما إذا كان الغرب قادراً على تجاوز النظرة العالمية للقوى العظمى المتنافسة على الهيمنة، وفهم التنمية في الصين والنظر إليها بموضوعية، والعمل مع الصين لبناء نوع جديد من العلاقات الدولية ونظام دولي جديد، وتوفير فرص التنمية لمزيد من البلدان النامية، وإذا نجح الغرب في ذلك، ستستفيد من التنمية المشتركة أيضا.