قال الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي، إمام وخطيب المسجد الحرام ، إنه ينبغي علينا أن نعتبر بمرور الليالي والأيام، وانقضاء الشهور والأعوام، فكل عام يمضي، يُباعد المرء عن دنياه ويقربه من آخرته.
وأوضح «المعقيلي» المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن من مات قامت قيامته وقد خلق الله تعالى عباده حنفاء، فأغوتهم الشياطين، فأرسل سبحانه رسله، مبشرين ومنذرين، ومذكرين بأيام الله، وعهده وميثاقه، وأيام اللـه تعالى، هي الأيام التي أنعم فيها على أقوام، وانتقم فيها من آخرين، ليشكر العباد نعمه، وليحذروا عقابه.
واستشهد بما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بينما موسى عليه السلام في قومه، يذكرهم بأيام الله، وأيام الله نعماؤه وبلاؤه»، ولما بُعث نبي الله صالح عليه السلام، ذكّر قومه بأيام الله فقال: « وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» الآية 74 من سورة الأعراف.
وأشار إلى أن كل نبي يبعثه الله تعالى، ينذر قومه ويبشرهم، ويذكرهم بأيام الله، يذكرهم بأيام الله التي مضت، بما فيها من العبر والعظات، يُذكّرهم بأيام الله، ماذا فعلت بقوم نوح وعاد وثمود، وأصحاب مدين والمؤتفكات، يذكّرهم بأيام الله، في الذين بدّلوا نعمة الله كفرًا، وأحلوا قومهم دار البوار.
وأفاد بأن نعم الله تعالى على عباده، لا تُعد ولا تحصى؛ فكل لحظة فيها نعمة، وكل نفَس فيه نعمة، فكل خير يحوزه العبد هو من نِعَم الله عليه، وكل شر يصرفه الله عنه هو من نِعَم الله عليه، وأعظم نِعَم الله تبارك وتعالى على عبادة نعمة الإسلام ونعمة الهداية والاستقامة والإقبال عليه جل في علاه.
وأكد أن من مقتضيات تذكّر نِعَم الله، الاعترافُ بها، ونسبتها للمتفضل جل وعلا؛ فإن من سوء أدب العبد مع الرب، الانغماسُ في النعم، ونسيان المنعم؛ فإذا أقر المسلم بنعم الله، شكرها باستعمالها في تحقيق مرضاته، قال كليم الله موسى عليه السلام: « قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ».
وبين أنه إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد ما يحب، والعبد مقيم على معاصي الرب؛ فاعلم أنما ذلك استدراج للعبد، والعبد لا يكون شاكرًا لله إلا إذا ظهر أثر شكر النعمة على قلبه محبةً وشهودًا، وعلى لسانه ثناءً واعترافًا، وعلى جوارحه وأركانه طاعة وانقيادًا؛ فشكر النعمة يكون بالجنان واللسان والجوارح والأركان، وأعظم الشكر المبادرة إلى العبادة.
ونبه إلى أن الشكر يحفظ النعم ويزيدها، فمن رُزِق الشكر رُزق الزيادة، قال ابن القيم: “النعم ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة منتظرة يرجوها، ونعمة هو فيها لا يشعر بها؛ فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده، عرّفه نعمته الحاضرة، وأعطاه مِن شكره قيدًا به حتى لا تشرد؛ فإنها تشرد بالمعصية وتقيد بالشكر، ووفقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة، وعرّفه النعم التي هو فيها ولا يشعر بها”، انتهى كلامه رحمه الله.
وأضاف: لن يحيط أحد، أداء حق شكر النعم مهما اجتهد، وحسبه السعي إلى بلوغ مرضاة الواحد الأحد، ولكن كلما تجددت للعبد نعمة، جدد لها شكرًا، والتزم باب الدعاء، ليجبر تقصيره في باب النعم، وقال نبي الله سليمان عليه السلام: « رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ».
وتابع: من أيام الله العظيمة، اليوم العاشر من شهر الله المحرم، أنجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه، وأغرق فرعون وجنوده، والله تعالى يحب من عباده، إذا أنعم عليهم بنعمة أن يشكروه عليها، فصامه موسى شكرًا لله، ولما قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، رأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟)، فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فنحن أحق وأولى بموسى منكم)، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه.
ولفت إلى استحباب صيام يوم عاشوراء؛ طلبًا لعظيم موعود الله جل وعلا، الذي أعده للصائمين؛ ففي صحيح مسلم: رغّب صلى الله عليه وسلم في صيامه فقال: «صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»، والسُّنَّة في صيام عاشوراء صيام اليوم التاسع مع العاشر، وإن يوم عاشوراء يوم اجتماع الكلمة، وتوحيد الصف، ويوم المحبة والمودة لأهل الإيمان، ولو اختلفت أنسابهم ولغاتهم؛ بل ولو اختلفت الأزمنة والأمكنة.
ونبه إلى أن بصيام عاشوراء يتذكر المسلم ذلك الحدث التاريخي العظيم، يوم فلق الله البحر لموسى عليه السلام وأتباعه، والأنبياء بعضهم أولى ببعض، فربهم واحد، وأصل دينهم واحد، ويدعون إلى عبادة إله واحد، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أولى الأمم بأنبياء الله تعالى من أقوامهم الذين كفروا بهم وكذبوهم، فخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وأمته يشهدون يوم القيامة بأن الأنبياء قد بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة. وإن يوم عاشوراء يوم الرحمة والمغفرة، وإظهار كرم الله جل جلاله؛ فهو يتفضل بالعطاء الجليل، على العمل القليل؛ فتكفير سنة كاملة، يكون بصيام يوم واحد، وإن يوم عاشوراء، هو يوم التربية على الطاعة، وتعويد النفس على العبادة، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصومونه، ويُعوّدون صبيانهم على صيامه