تحليل تكتبه د.نادية حلمى الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف
أهم ما أستوقفنى فى خطاب الرئيس (السيسى)، هى عرضه فى خطابه لظروف إنشاء الدولة الصينية الحديثة ونجاح ثورتها فى عام ١٩٤٩، والتى تأتى فى ظروف مشابهة لثورة (٣٠ يونيو) فى مصر والتى قادها الرئيس “السيسى” بعد ملايين الحشود التى طالبته وقتها كوزير للدفاع للوقوف بجوار الشعب المصرى الثائر ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين، والتى يحتفل المصريون بها هذه الأيام فى ٣٠ يونيو، فى ظروف مشابهة لإحتفال الحزب الشيوعى الصينى بمئويته وعيده المائة فى الأول من يوليو هذا العام.
وذلك ما ينقلنى كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى، لإلقاء الضوء على كلمة الرئيس السيسى، وتحليلها من زاوية (قصة نجاح الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين ومئويته التى يحتفل بها هذا العام، وعلاقتها وتشابهها مع ثورة ٣٠ يونيو فى مصر وقائدها الرئيس السيسى).
– أوجه التشابه والإختلاف ما بين (الثورة الصينية عام ١٩٤٩) وسياسات الحزب الشيوعى الصينى وثورة (٣٠ يونيو) فى مصر وسياسات الرئيس السيسى
إهتمت الباحثة المصرية – على المستوى الشخصى – بتحليل عدد من الجوانب العامة فى التشابهات بين أسباب قيام (ثورة ١٩٤٩) فى الصين، والتى مهدت لوصول سلطة الحزب الشيوعى الصينى للحكم رغم نشأته عام ١٩٢١، و (ثورة ٣٠ يونيو) فى مصر، وما تلاها من قراءة سريعة ومختصرة للمشهد فى الحالتين، لما لذلك من دلائل، وتسليط الضوء عليهما سريعاً لما لاحظته مؤخراً عند إعادة قراءتى للمشهد السياسى فى كلاً من بكين ومصر، من وجود أوجه تشابهات – ربما لم يلتفت لها الكثيرون – على النحو الآتى:
١) مرت الثورتين بعلاقات مضطربة مع الغرب فى بدايتهما: نتيجة لإختيارهما لمواقف مستقلة تعكس التحديات الحقيقية التى تواجه شعوبهم والمنطقة. هذا فضلاً عن بعث (الهوية القومية) ومضامينها المعارضة للتدخلات الأجنبية فى شئوننا الداخلية. فمنذ عام ١٩٢١ حتى قيام (ثورة ١٩٤٩) فى الصين، قاد (الحزب الشيوعى الصينى) كافة أبناء الشعب الصينى فى نضالات شاقة ومريرة، وأسقط حكم الإمبريالية والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية، وأسس (جمهورية الصين الشعبية) بعد نجاح ثورته. وبعد تأسيس الجمهورية، قاد الحزب الشيوعى الصينى أبناء شعبه بمختلف قومياته فى صيانة إستقلال البلاد وأمنها. وكانت بداية ثورة (٣٠ يونيو) فى مصر هى إسقاط حكم (الميليشيات والطوائف الدينية) والحفاظ على (هوية الدولة المصرية المدنية بالأساس)، وعدم تقسيم البلاد والحفاظ على وحدتها.
٢) أما عن دور الزعامات الجديدة فى مصر والصين بعد الثورة: فنلاحظ هنا إتجاهها الواضح إلى إحداث توازن فى علاقاتهما الإقليمية والدولية وتصحيح الإختلالات التى حدثت فيهما خلال الفترات السابقة عربياً وأفريقياً ودولياً.
٣) وبخصوص نظرة القيادات السياسية بعد ثورة ٣٠ يونيو فى مصر وثورة ١٩٤٩ فى الصين للعالم: فكلاهما أوضحا أن التعاون هو الأساس، مشترطين ألا يتم ذلك على حساب مصالح القوى الصغيرة والمتوسطة، وألا يمثل هذا اتفاقاً على الهيمنة على العالم.
٤) أما عن الخبرات المشتركة لكلاً من ثورتى مصر والصين: لقد إكتسبت الثورتان خبرة كبيرة – رغم قصر فترتهما – فيما يتعلق بالوضع الدولى، وإدارة علاقاتهما مع واشنطن والغرب. وإعادة تكييف نظمهما وسياساتهما مع إستمرار تقييمهما لما وصلت إليه تجارب ومراحل النمو فيهما. مع إتفاقهما على ضرورة الإستفادة من إتجاهات التطور والتحديث الإقتصادية والتكنولوجية العالمية كشروط ملحة لمواكبة التحديث وآليات العصر الحديث.
٥) وللإجابة عن سؤال التشابه بين بدايات الثورة الصينية والمصرية: فقد أكدت الثورة الصينية عام ١٩٤٩ ثلاثة أهداف رئيسية، الأول (القومية)، وكانت تهدف إلى الإستقلال عن النفوذ الأجنبى، والهدف الثانى (التوحد تحت هدف قومى) يحكمة سلطة مركزية، والهدف الثالث (التغيير الجذرى للظروف الإقتصادية والإجتماعية). والمدقق فى الأهداف الثلاثة يجدها هى نفس أهداف الثورة المصرية فى (٣٠ يونيو) للخروج من عباءة التبعية كثورة جديدة لتصحيح مسار ٢٥ يناير، ولتحسين الظروف الإقتصادية والمعيشية، من خلال ما تمخض عنها من مشروعات وبنية تحتية أساسية.
٦) وللتعرف على الأجيال والزعامات التى قادت الثورتين فى مصر والصين: فمنذ تعزيز سلطتى جيش التحرير الشعبى والحزب الشيوعى الحاكم بعد ثورة ١٩٤٩، توالت على حكم الصين حتى الآن (خمسة أجيال) من القيادة الجماعية على قمة هرم الحزب والدولة، وإنعكس ذلك فى الخطاب الرسمى للبلاد، فإرتبطت كل قيادة توالت على حكم الصين بعد الثورة فى ذهن وعقل أبناء الشعب الصينى، لما إتسمت كل منها بسمات محددة تندرج تحت (الإيديولوجية العامة للحزب). وصولاً إلى (الجيل الخامس) أو الحالى بزعامة الرئيس الصينى(شى جين بينغ). ولكن ما يميز أجيال ثورة (٣٠ يونيو) فى مصر، هى كونها بالأساس (ثورة شعبية) شاركت فيها كل المؤسسات الوطنية المصرية، تحت شعار (نريد الوطن، بينما هم يريدون الميليشيات والطوائف).
٧) ركائز السلطة بعد ثورتى (٣٠ يونيو) فى مصر و (١٩٤٩) فى الصين: ثلاثة مواقع قيادية تشكل ركائز السلطة الثلاث فى الصين هى (الحزب الشيوعى الحاكم)، والدولة (الحكومة) بكافة قياداتها وتشكيلاتها، ثم (جيش التحرير الشعبى) وأحياناً يسمى (جيش الشعب) أو القوات المسلحة بمفهومنا الدارج. ينما كانت ركائز ثورة (٣٠ يونيو) هى ما يسمى بــ (ثورة الثوار والدولة) معاً، تضامن معها القضاء منذ البداية وكان جزءاً منها، ثم تضامنت معها الشرطة، وتبناها الجيش والأزهر والكنيسة، ووضع خارطة طريقها شباب الثورة أنفسهم.
٨) إتفاق (الثورتين المصرية والصينية) على أن التحديث فى نظرهم عملية تقتضى سلطة حازمة لوضعه موضع التنفيذ: لأن أهم سمة ميزت ثورة (٣٠ يونيو) هى: غياب شعار إسقاط النظام وعودة الدولة المدنية بعيداً عن أى إستقطابات دينية، لذا، ظهرت العديد من الإضطرابات بعد سقوط حكم (الإخوان المسلمين) من زيادة العمليات والأنشطة الإرهابية، تعرض الأمن القومى للخطر، حدود السيادة، مشكلة المياه وسد النهضة، والأنفاق فى سيناء. لذا، كان لابد من (سلطة حازمة) فى مصر بعد نجاح ثورة (٣٠ يونيو) تواجه كل هذه الفوضى والإضطرابات. وعلى الجانب الصينى، فيكاد يكون الإتفاق على أن أى خطة تحديثية للصين لن تنجح بدون القضاء على الفساد والفاسدين، فتش عن الفساد. فكان أول زعيم صينى من جيل الزعامات بعد ثورة (١٩٤٩) فى الصين يقود حملة ضد الفساد، هو (جيانغ زيمين)، والذى كان حريصاً على مخاطبة العقليات السياسية داخل الحزب الشيوعى، ومصارحة رفاقه أى زملائه من أعضاء الحزب بالمشاكل والعقبات التى تعترض مسيرة التنمية والتحديث فى بلاده، وعلى رأسها (الفساد)، والتى ترتب عليها جملة من المشاكل مثل: التفاوت الطبقى للسكان، البطالة، الفقر، التهميش… إلخ.
٩) عمليات إختيار وإعداد وتأهيل القادة الجدد فى مصر والصين بعد ثورتى (٣٠ يونيو) فى مصر و (١٩٤٩) فى الصين: يأتى إختيار الكفاءات الشابة فى الصين ما بعد ثورة (١٩٤٩) – على الفرازة كما يقول التعبير المشهور فى مصر – وهى نفس الفكرة تحديداً، التى سبق إلى بلورتها زعيم مسيرة التجديد الراحل (دينغ شياو بينغ) الذي طرح مقولته الشهيرة عن (التحولات الأربعة)، ومؤداها أن تؤدى التحولات السياسية إلى أن يتولى مستقبل الصين الجديدة قيادات شابة تتسم بالصفات الأساسية التالية: أن تكون (ثورية) وفى سن أصغر (المسائل هنا نسبية طبعاً)، ولكن على قدر أوسع من (المعرفة) وقدر أكبر من (التخصص على مستوى الخارج)، لذا، يصبح من المتوقع أن يحرص ويعمل قادة الصين الجدد على (بلورة علاقات أفضل مع الخارج)، ولكن فى إطار سياسى ودبلوماسى أوسع نطاقاً. وعلى الجانب الآخر، كان من أهم مكتسبات ثورة (٣٠ يونيو) هى (البرامج الرئاسية)، فكان إهتمام الرئيس (السيسى) بالشباب كبيراً، من خلال إعداهم للقيادة، وتدشين (منتدى شباب العالم)، والإعلان عما يعرف بــ (البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة)، والتى بدأت فكرتها بالإعلان عن مبادرة الرئيس (السيسى) عنها بنفسه فى سبتمبر عام ٢٠١٥، بهدف إنشاء وتأهيل قاعدة من الكفاءات الشبابية وتأهيلها للعمل السياسى، والإدارى، والمجتمعى بالدولة، ورفع كفائتهم بأحدث النظريات العملية والإدارية بما يؤهلهم للتخطيط للمستقبل، وزيادة قدرتهم على تطبيق أحدث الأساليب لمواجهة التحديات.
١٠) طغيان لغة (المصارحة) أو (المكاشفة) بحقيقة الأوضاع السائدة فى (الخطاب السياسى الصينى والمصرى الرسمى) ما بعد ثورتى (٣٠ يونيو) فى مصر و (١٩٤٩) فى الصين: فلقد توقف المهتمون بالشأن الصينى طويلاً للتحليل عند تأمل الزعيم الصينى الراحل (جيانغ زيمين) وهو يسلم مقاليد الحكم لمن سيأتى بعده، فقد أثارتهم نبرة (المصارحة) أو (نقد الذات) التى يتدربون عليها فى (مدرسة الكادر فى الحزب الشيوعى الحاكم)، وفى إطار هذه المصارحة لم يتورع الزعيم الصينى (زيمين) عن أن يقول بغير مواربة ولا تزويق: أيها الرفاق: “إذا لم نضرب بيد من حديد على أيادى الفساد والمفسدين، فإن وشيجة الدم واللحم – أى الرابطة التى تربط حزبنا بالجماهير – التى تربط بين الحزب والجماهير سوف تتصدع ويصبح الحزب فى خطر من أن يفقد موقعه الحاكم فى البلاد، بل وربما يجد الحزب نفسه متجهاً إلى حيث الدمار الذاتى”. وعلى الجانب المصرى، نلاحظ أن خطابات الرئيس (السيسى) بعد ثورة ٣٠ يونيو، منذ اللحظة الأولى، غلب عليها لغة المصداقية والمصارحة كمنهج عام لخطاباته، بدون عمل أى نوع من الدعاية، بل كان بمثابة مصارحة ومكاشفة بجميع التحديات والمخاطر التى تواجهه أمام الشعب. فكما قال (السيسى) حرفياً: (مِن اللحظةِ الأولى التى أقفُ فيها أمامَكم، أريد أن أكونَ أميناً معكم كما كنت دائماً، وأميناً مع وطنى، وأميناً معَ نفسى). أو حديثه الجاد حرفياً فى إحدى خطاباته (لدينا نحن المصريين، مهمةَ شديدةُ الصعوبةِ، ثقيلةُ التكاليفِ). كذلك حديثه (يجبُ أنْ نكونِ صادقينِ مع أنفسِنا) وجملة (صناعةُ المستقبلِ هى عملٌ مشتركٌ، هى عقدٌ بين الحاكم وبين شعبه)، أو حديثه الصريح (الحقيقة أنا عايز أصارحكم، والظروفُ كما ترونَ وتُقدّرون)، أو حديثه الواقعى بــ (أنا لا أُقَدّمُ المعجزاتِ، بل أقدّمُ العملَ الشاقَ والجهدَ وإنكار الذات بلا حدود)، أيضاً وعده للمصريين من أبناء الشعب فى الإطار الواقعى بحديثه لهم (إننى أعدُكُم بأننا نستطيعُ معاً، شعباً وقيادةً). وغيرها من العبارات والجمل التى إحتوتها خطاباته السياسية فى مجملها والتى تحمل معانى المصارحة والحقيقة بدون إختيار منمق لمعانى الكلمات، وهى نفس الأفكار التى تربوا عليها فى (مدرسة أو ما يسمى بكادر الحزب الشيوعى فى الصين) ما بعد ثورة (١٩٤٩) فى الصين.
ومن خلال عرض الباحثة لمجمل النقاط السابقة، يتضح لنا بالدليل حجم التشابه والتقاطع بين التحديات التى تواجه كلاً من مصر والصين، وهذا هو ما دفع الصين لتأييد مصر بعد ثورة ٣٠ يونيو، مع إستمرار حرص الدولة الصينية على مواصلة العلاقات مع مصر فى عهد الرئيس (السيسى) بعد ثورة ٣٠ يونيو على نحو إيجابى، والإستفادة مما تم تحقيقه فى الفترات السابقة لبناء علاقات أكثر قوة ومتانة وإستكشاف مجالات وآفاق جديدة للتعاون المصرى الصينى، بما يعتمد على العطاء المتبادل، ويستند لفهم كل طرف للمصالح الوطنية للطرف الآخر ويتجاوب معها، مع ما يتطلبه ذلك من تدعيم الركائز الأساسية للعلاقات المصرية الصينية الإقتصادية والتجارية والثقافية والعسكرية فى ظل قيادة الرئيس “عبدالفتاح السيسى”.
ومن هنا، فأنا أختم تحليلاتى السابقة بما تعلمته من (سياسة الصين) وتحولاتها الأخيرة وتنافسها مع واشنطن وغيرها، وهى أنه يجب أن نضع فى أذهاننا – ومن واقع خبرتى وتواصلى الدائم مع الصينيين – بأن الصين لا تقرر سياستها الخارجية إستناداً إلى أحقية الأمور أو بطلانها، لأن هذا معيار سياسى يحتشد بالعوامل العاطفية والإنفعالية، ولا تترتب عليه نتائج عملية. ولكنها تتخذ من (المصلحة الوطنية) معياراً لسياستها الخارجية. والمقصد أن نقول، إن محافظة السياسة الدبلوماسية على الحد الأقصى لمصالح الصين الوطنية بعد حسابها حساباً دقيقاً، هو (النجم الهادئ للدبلوماسية الصينية) الناجحة. لذا، فإن التقارب الصينى مع القاهرة، وتأييد بكين لمطالب ثورة ٣٠ يونيو فى مصر لم يأت من فراغ، بل بناءاً على حسابات دقيقة، وهى الدلالة القاطعة على نضوج (الدبلوماسية الصينية) التى شهد لها الخصوم قبل الأصدقاء، وما أكثر أصدقاء الصين فى كل مكان.