بقلم عبدالرحمن يوسف.. معيد بقسم العلوم السياسية بجامعة حلوان
تعد النظرية الليبرالية احد اهم نظريات العلاقات الدولية والتي تقوم على مفهوم اساسي يتمثل في القوة ولكن في صورتها الاقتصادية، ومن ابرز المفاهيم التي نشأت في ظلها مفهوم السلام الديمقراطي و نهاية التاريخ والاعتماد المتبادل وغيرها من المفاهيم الليبرالية والتي تتعرض في الوقت الحالي للعديد من الانتقادات، وتنهض هذه النظرية الليبرالية على عدة فروض والتى من بينها :رفض سياسات القوة كمحرك وحيد في العلاقات الدولية، والتعاون الدولي والاعتماد المتبادل كأساس للعلاقات الدولية، كما أن المنظمات الدولية من دون الدول هم من يحددون تفضيلات الدول والخيارات السياسية .
ويؤمن الليبراليون بأن التقدم البشري بإمكانه التخلص من الصراع العالمي؛ وبالتالى فإن جوهر السلام الديمقراطي يكمن في أن الديمقراطيات لا تتحارب ولا يهدد بعضها بعضا فالديمقراطيات تحل الصراعات من خلال المفاوضات دونما اللجوء الى التهديد باستخدام العنف، وترى بأن العقبة الوحيدة أمام إستقرار النظام هى الدول المعادية، وفي المقابل يتوقعون من الدول الدكتاتورية ان تهدد النظام الدولى بإستخدام القوة؛ وبناءً عليه فإن الدكتاتوريات في علاقاتها مع الديمقراطيات او الديكتاتوريات لن تكون قادرة على الإلتزام بنفس القيود، كذلك فإن المسؤولون محاسبون ومساءلون عن الدخول في حروب وعن تكاليفها والتى غالباً تكاليفها تفوق مكاسبها، وبالنظر الى بيئة النظام الدولي الحالي بنظرة تشخيصية سنجد العديد من الملفات الساخنه والتي تعيد هيكلة النظام الدولي في نظام تعددى القطبية فعلى صعيد الصراع الامريكي الصيني سنجد أن الولايات المتحدة الامريكية تحاول نقل بنفس الاستراتيجية نقل التكتيك الى منطقة “الأندو باسفيك” عن طريق ابرام العديد من التحالفات.
ومفهوم السلام الديمقراطى يقوم على فكره اساسية مفادها أن الإستقرار والسلام يعتمد على النظام السياسي الداخلي ايضا وليست العوامل الخارجيه فقط، وبالتطبيق على الولايات المتحدة الامريكية رمز الديمقراطية الاساسى سنجد بأن هذا المفهوم بات يواجه فكرة الإنهيار التدريجى ، ففي الآونة الأخيرة لاحظنا وجود أزمة سياسية عميقة في الولايات المتحدة، وفي نظام إدارة الدولة وفق المفهوم الديمقراطي الذي أبهر العالم على مر التاريخ، حتى باتت نموذجاً للتقليد، حيث حدثت سابقة سياسية في التخاطب بين السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحت الطريقة في التعامل بينهم تشبه إلى حد كبير أسلوب التعامل بين السياسيين المتنافسين في باقي دول العالم .
ونحن اعتدنا أن نرى عدم تجاوز أي زعيم من الحزبين الرئيسيين، جمهوري أو ديمقراطي، في قيم التخاطب، وعدم الخروج عن التقاليد السياسية في التعبير على الغضب ضد الآخر، رغم أن الاختلاف بين الحزبين معروف، وهو إحدى الصفات التقليدية للتنافس بين الحزبين، وهذه الأزمة أظهرت للرأي العام العالمي أن مسألة «الانبهار» بالتجارب الإنسانية ومحاولة تقليدها لا يعني أنها الأفضل، إذا لم تكن نابعة من خصوصية المجتمع، فالديمقراطية كمفهوم هي طريقة حكم، ولكن كيفية تطبيقها تعتمد على أسلوب الدولة بما يناسبها.
وبالتالي هذا سيكون له تأثير على مكانة الولايات المتحدة في دورها الدولي الذي يشهد تنافسًا مع روسيا والصين، وفي كونها الدولة التي اعتادت على إبهار العالم بكل قصص النجاح، وعلى رأسها ديمقراطيتها، كما أن المشهد السياسي في الولايات المتحدة يسير نحو استمرار المعركة السياسية، وزيادة الشرخ في مواقف الرأي العام الأمريكي بين الحزبين .
إذن الاستقطاب الداخلي في خلال فترة باراك اوباما اتخذ الجمهوريين موقفاً متشدداً وهاجموا الديمقراطيين بسبب اعاده ضبط روسيا ولكن ترامب قلب الطاولة باحتضانه لبوتن علناً، و بذلك اصبح استعداء اليسار كشعار يرفعه اليمين اكثر اهمية من قضية الدفاع عن القيم الديمقراطية، وإستناداً الى كل ما سبق يمكن القول بان ما يتفق عليه المجتمع الامريكى بشقيه الجمهورى والديمقراطي هو ان الصين اصبحت تُشكل تهديداً للقيم الديمقراطية وبات ما يؤثر على القرارات الامريكية هو مدى تأثير القرارات على الصراع الحزبى فى المقام الاول .
ويمكن القول بأن مايتم على الساحة الامريكية الآن هو افراز طبيعي لحالة الخلل الذي تعيشه السياسة منذ فترة ادارة بوش الابن واستمرت مع ادارة باراك اوباما مرورا بترامب إمتداداً إلى ولاية چو بايدن الحالي، وعلى الصعيد الخارجى سنجد بأن العالم يشهد اليوم تحولاً مهماً وكبيراً، إذ أن الإمبراطورية الأمريكية لم تعد اللاعب الوحيد على الساحة الدولية، ولا هي المتحكم الأوحد بالعالم، فيما بدأت القوى الكبرى المنافسة وذات الأطماع تدرك ذلك وتحل مكان الولايات المتحدة، حيثما تقهقرت وتراجعت، وبطبيعة الحال فهذا ليس معناه توقع انهيار واشنطن، وإنما تراجع هيمنتها الدولية، وظهور أقطاب أخرى تلعب على الساحة الدولية”
وعلى الصعيد الروسى سنجد بأن المفتاح الرئيسى لبوتن والذى استغله على نحو جيد حتى الآن هو تعرض العلاقة الأمريكية الغربية لتصدع، فكانت افغانستان هى البداية حيث كان الانسحاب الأمريكى بدون اتفاق مع الغرب ولكن بانفراد أمريكى تام وفى أشهر قليلة ضمت امريكا استراليا إليها والغت اتفاقها مع فرنسا لتقوم بتكوين تحالف يسمى ” اوكوس” الذى كان فى نفس يوم اعلان فرنسا استراتيجيتها الجديدة فى جنوب شرق آسيا كل هذا إلى جانب تحالف ” كواد ” لتنقل الولايات المتحدة الأمريكية التكتيك إلى منطقة الاندوباسفيك، وهذا ما أثر على بالسلب على المفهوم الاستراتيجى لحلف الناتو، لذا تدرك روسيا الآن أن غزوها لأوكرانيا لن توقفه الولايات المتحدة الامريكية والغرب، لأن العلاقة بينهما مشتتة تماماً إضافةً إلى تراجع دور أميركا في منظومة الناتو والأمم المتحدة، والعمل البيئي نتيجة سياسة ترامب السابقة ، كما لاحظ تأثير مشاكل ترامب مع الصين والاتحاد الأوروبي على جانب الاقتصاد والتبادل التجاري، كل هذه تركة ثقيلة تركها ترامب لچو بايدن واليوم يريد ترامب تحميل بايدن هذه الكوارث .
علاوةً على ذلك فتلويح روسيا بالتدخل النووي منذ فترة ليست بالبعيدة أدى إلى رفع سقف المخاوف العالمية تجاه هذا التصعيد الذي لم يعد يهدد دولة أو إقليماً، بل يهدد الأمن والسلم العالميين، ولا شك أن هذا التطور “في حال حدوثه” فإن منطقة الشرق الأوسط لن تكون بمنأى عن هذا الخطر، بل هي في قلب الصراع”، فإقليم الشرق الأوسط ومحيطه يواجه لحظة تاريخية، تميّزها أولاً حالة من التراجع الغربي والأمريكي عن حالة القيادة والهيمنة التي عاشها هذا الإقليم منذ نهاية الحرب الباردة، وثانيها أن هناك صعوداً لمرتبة الدولة العظمى من الصين، وعودة من روسيا.
وخلاصة القول وبالإستناد على تلك الاسباب سالفة الذكر فانه في حالة ما أقدمت الصين على إتخاذ خطوات هجومية تنفيذية على جزيرة تايوان والتي تحاول امريكا المحافظه عليها كاخر أمل لها و لبقائها ووجودها وإلا ستكون نقطه اللاعودة و الانعزالية الامريكية الابدية؛ وبالتالى فإن العالم على أعتاب نظام عالمي يتشكل اليوم، وقد تكون الحرب الباردة بنسختها الجديدة جزءً من هذا النظام الذي سوف يقلب الموازين ويمهد لما هو أسوأ من الحرب العالمية، وهي الحروب الطويلة الأمد، وحروب المصالح والهيمنة على حساب طمس دول أخرى”، حيث تحولت إلى مسرح لاستعادة الأوزان السياسية في العالم، وإعادة تموضع التحالفات والتوازنات لكل دول العالم بناء على نتائج ما يحدث”.