بقلم عبدالرحمن يوسف.. معيد بقسم
العلوم السياسية بجامعة حلوان
لا أحد يستطيع أن يُنكر حقيقة وجود صراعات بين الولايات المتحدة الامريكية والصين، وهذا لا ينفي وجود مصالح مشتركة بينهما، وفي هذا الاطار من المصالح ينادي وليام أوفرهولت “William H. Overholt” بالتعايش في العالم كما هو ولكن ليس كما نتمنى ان يكون وعلى الامريكان ان يستمروا في التعاون وان يمارسوا قواعد اللعبة الجديدة مع الصين .
وفى هذا السياق يمكن إفتتاح المقال بسؤال مفتاحى ألا وهو هل الحرب بين الصين وأمريكا حرب حتميه؟، فالتاريخ يقول لنا انه حين اصطدمت قوة صاعدة ضد قوة راسخة نشأة الحرب كما ذهب ثيوسيدس الى ذلك منذ زمن بعيد وتحديدا خلال حقبة الحرب العالمية الثانية، حيث كانت النزعات تنشأ عادة بين الجيران فيستخدم كلاً منهم قوته العسكرية بغرض الاستيلاء على اراضي جيرانه ومن بين الامثله التي يمكن الإشارة لها اثينا وسبارتا او المانيا وفرنسا في فتره الحرب العالمية الثانية، واليوم اصبحت الصراعات ليست بهذا المنطق فقد تغير شيئاً وهو أن العالم أصبح حريصاً على تنمية اقتصادياته بشكل اسرع وكذلك رفع مستويات التكنولوجية العسكرية بشكل عام وكذلك التكنولوجيا النووية بشكل خاص واصبحت اكثر تدميراً؛ وبالتالي احتمالية ان يخسر طرفين في حال ما إذا تم إتباع المسار التاريخي للحروب .
ونُشير إلى أن الولايات المتحدة مارست الهيمنة من منظور اقتصادي فانتصار امريكا في الحرب الباردة كان اقتصادياً اكثر منه عسكرياً، حيث عملت الولايات المتحدة على تقديم المساعدات للحلفاء بشكل جعلها تنمو اقتصادياً بشكل اسرع، بالاضافة الى نظام “بريتون وودز” وروافده المتمثلة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكذلك منظمة التجارة العالمية، اي ان امريكا نجحت في انشاء شبكة عالمية للتنمية تتمحور حول الذات، في حين ان الاتحاد السوفيتي أفلس نفسه بنفسه نظراً لانه كان يتبع الطرق التقليدية القائمة على تمويل الجيش فقط .
وفى هذا السياق نستشهد بالامثلة التي دعمتها الولايات المتحدة الامريكية ومنها اليابان التى اصبحت قوة صاعدة بدون الحاجه الي جيش كبير، كذلك كوريا الجنوبية بعد ان كانت متدنية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً اكثر من خصمها الشمالي اصبحت اليوم اكبر خمسين ضعفاً من الناحية الاقتصادية من نظيرتها الشمالية التي تركز كافه اولوياتها صوب الناحية العسكرية .
ولقد استفادت الصين من هذه الدروس العابرة للتاريخ حيث قامت بالتركيز على النمو الاقتصادي، وهذا ما جعلها قوة صاعدة، وهذا ما ساعد في التعزيز العسكري المثير للاعجاب في مراحل لاحقة للنمو الاقتصادي، وهذا ما مهد لان تصبح قوة كبيرة وهذا يعود الى اتباع استراتيجية اقتصادية يحميها جيش قوي او حليف بجيوش قوية.
كما نُشير الى ان الاستراتيجيات الاقتصادية تختلف عن العسكرية في كونها ليست صفرية بطبيعتها وكلا الطرفين يمكن ان يفوزا ويزدهرا، بينما عندما تقاتلت فرنسا والمانيا في اطار الاستراتيجيات العسكرية خسرت احداهما دون الاخرى، بينما يمكن لامريكا وللصين أن يحققا الازدهار وهذا جانب حيوي من التنافس الحالي بينهما .
إن اتباع النهج الاقتصادي التعاوني يجنبنا الوقوع في فخ مصيدة ثيوسيدس القائلة بأن الحروب يمكن أن تتحقق من تلقاء نفسها، حيث يمكن لامريكا ان تخسر الصراع على القيادة في حال ما اذا انهارت اقتصادياً، بينما الصين اكثر انفتاح على التجارة والاستثمار، كما تلعب الصين على وتر وصول منتجاتها الى كافة الاسواق المستهلكة، لذا فان على الولايات المتحدة الامريكية ان تتعاون مع الصين خاصه ان المنتج الامريكي لابد وان يصل الى الأسواق الاكثر استهلاكاً والمتواجدة في دول اسيا .
أن امريكا عندما فقدت ثلاثة ملايين ونصف المليون فرصة عمل خلال عقد من الزمن أدت إلى تعرض المجتمع الامريكي لضغوط شديدة مما أدى إلى استقطاب المجتمع الامريكي خاصةً مع إلقاء المسؤولين الامريكان اللوم على الصين، في حين ان الصين عندما فقدت 45 مليون فرصه عمل في الشركات الحكومية في خلال العقد السابق ساعد قادتها المواطنين في العثور على وظائف جديدة معظمها في مجال الخدمات بدلا من اللوم على امريكا .
وفيما يخص بحر الصين الجنوبي والشرقي تخلت الصين عن وعودها بعدم عسكرة المنطقة، فهناك بعض السلوكيات التي انتهجتها الصين في المنطقه مثل انها وقعت على اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار ثم انتهكتها ببناء السدود من اجل تحويل المياه؛ وهذا ادى الى افقار ملايين الاشخاص في جنوب شرق اسيا .
وهنا نتسائل كيف يمكن لامريكا ان تدير علاقاتها مع الصين كقوة صاعدة؟، في الحقيقة ينبغى على الادارة الامريكية ان تدرك عدة حقائق ومنها: أن الصين تمتلك نظام اجتماعي واقتصادي ناجح ومستدام نظراً لان اقتصادها تنافسي يقوم على الاكتفاء الذاتي، هذا إلى جانب أن الصين لا تمتلك ضمان باستمرار نهوضها الاقتصادي بنفس الوتيرة فالنمو يتباطأ فباعتبار من عام 2030 فصاعداً من المحتمل ان تكافح الصين لتحقق نمو سنوي بنسبة 3% فمن المتوقع ان تمتلك الصين الاقتصاد الاكبر ولكن ليس الاكثر تقدماً او ابتكاراً، ولا ننسى أن الصين تحاول إخضاع تيوان لإرادتها، وفى الختام نُشير إلى تساءل جوهرى وهو هل يمكن لأمريكا أن تتعايش مع النموذج الصيني؟، في الحقيقة يرى بعض الامريكان انه من الصعب بمكان القبول بقوة عظمي لديها نظام فضائى، كما أن الصين تختلف عن الاتحاد السوفيتي فهي لا تريد فرض نظامها لان شعار بكين هو انه يجب ان يكون لكل دولة الحق في اختيار طريقها الخاص دون ضغوط خارجية، وعلى الامريكان عبء تحسين الديمقراطية ذاتها فالازمة المالية العالمية 2008 وصعود دونالد ترامب للسلطة في عام 2017 و خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي كلها امور تجعل الاقتصاد السياسي الغربي معرض لخطر ازمة الثقة، كما نشير إلى أنه لا يمكن لامريكا هزيمة الصين ولا الصين يمكنها هزيمة أمريكا، هى فقط نظير لها، وما جعل الأمريكان يفوزوا باللعبة الجيوسياسية في ابان الحرب الباردة هو انتصارها اقتصادياً وختاما دعونى أدعو إلى إتاحت الفرصة لإتباع نمط تعاونى بين الصين وأمريكا يمكن أن يحقيق الاستقرار فيما لو تم إنجاح