التخطي إلى المحتوى
بقلم عبد الرحمن يوسف
معيد بقسم العلوم السياسية بجامعة حلوان
يشهد عالمنا اليوم العديد من الاحداث والمشاهد التي تدشن لقيام نظام عالمي جديد تعددى القطبيه، فبعد ان استمرت الولايات المتحدة الامريكية قرابة الثلاثة عقود من بسط نفوذها وهيمنتها وسيطرتها على العالم لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 جاء الدور لتواجه الولايات المتحدة تحدى الانهيار، واليوم تتعالى اصوات كبار الكتاب والمنظرين بداخل البيت الابيض بأن الانهيار بات قريباً فعلى سبيل المثال نجد ان فرانسيس فوكوياما كان يذهب للقول فى مقال له فى مجلة Foreign Affairs عام ١٩٨٩ بعنوان ” نهاية التاريخ ” حيث ذهب للقول بأن النموذج الامريكي الليبرالى هو أفضل ما توصلت إليه البشرية، وبالتالى أصبح هذا النموذج هو نهاية التاريخ و مادونه من النماذج انتهت وانهارت امام ذلك النموذج الامريكي، وبعد ثلاثة عقود خرج علينا في مقال بجريدة The Economist البريطانية ليتنبأ باقتراب إنهيار و نهاية الهيمنة الامريكية والنموذج الليبرالى في مواجهة القوى الإقليمية الأخرى وعلى رأسها الصين وروسيا .
كل هذا يستدرج عقولنا نحو تساؤل جوهري وهو ما هي الاسباب التي يمكن في ضوئها يتم تفسير حالة الإنهيار التي تواجه الولايات المتحدة الامريكية، في حقيقة الامر يمكن القول بان انسحاب الولايات المتحدة الامريكية من افغانستان في مشهد مخزى ليس هو السبب الابرز في ما يحدث للولايات المتحدة الامريكية إذ أنها تعرضت لهزيمة مُذلة أيضاً في فيتنام ولكنها تمكنت في اقل من عقد من الزمن ان تستعيد هيمنتها بل وقامت ببناء وتعزيز علاقاتها معها في خصوص محاصرة النفوذ الصيني في منطقه الاندوباسيفك .
إذن يمكننا القول بان اسباب الانهيار الامريكي لاتعزى فقط لهزائم خارجية بل يمكن أن تعزى لاسباب وعوامل محليه أكثر منها دولية .
ففي الآونة الأخيرة لاحظنا وجود أزمة سياسية عميقة في الولايات المتحدة، وفي نظام إدارة الدولة وفق المفهوم الديمقراطي الذي أبهر العالم على مر التاريخ، حتى باتت نموذجًا للتقليد، حيث حدثت سابقة سياسية في التخاطب بين السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحت الطريقة في التعامل بينهم تشبه إلى حد كبير أسلوب التعامل بين السياسيين المتنافسين في باقي دول العالم،
فنحن اعتدنا أن نرى عدم تجاوز أي زعيم من الحزبين الرئيسيين، جمهوري أو ديمقراطي، في قيم التخاطب، وعدم الخروج عن التقاليد السياسية في التعبير على الغضب ضد الآخر، رغم أن الاختلاف بين الحزبين معروف، وهو إحدى الصفات التقليدية للتنافس بين الحزبين.
وهذه الأزمة أظهرت للرأي العام العالمي أن مسألة «الانبهار» بالتجارب الإنسانية ومحاولة تقليدها لا يعني أنها الأفضل، إذا لم تكن نابعة من خصوصية المجتمع، فالديمقراطية كمفهوم هي طريقة حكم، ولكن كيفية تطبيقها تعتمد على أسلوب الدولة بما يناسبها.
وبالتالي هذا سيكون له تأثير على مكانة الولايات المتحدة في دورها الدولي الذي يشهد تنافسًا مع روسيا والصين، وفي كونها الدولة التي اعتادت على إبهار العالم بكل قصص النجاح، وعلى رأسها ديمقراطيتها.
إن المشهد السياسي في الولايات المتحدة يسير نحو استمرار المعركة السياسية، وزيادة الشرخ في مواقف الرأي العام الأمريكي بين الحزبين .
إذن الاستقطاب الداخلي في خلال فترة باراك اوباما اتخذ الجمهوريين موقفاً متشدداً وهاجموا الديمقراطيين بسبب اعاده ضبط روسيا ولكن ترامب قلب الطاولة باحتضانه لبوتن علناً، و بذلك اصبح استعداء اليسار كشعار يرفعه اليمين اكثر اهمية من قضية الدفاع عن القيم الديمقراطية .
وإستناداً الى كل ما سبق يمكن القول بان ما يتفق عليه المجتمع الامريكى بشقيه الجمهورى والديمقراطي هو ان الصين اصبحت تُشكل تهديداً للقيم الديمقراطية وبات ما يؤثر على القرار الامريكيه هو مدى تاثير القرارات على الصراع الحزبى فى المقام الاول،
ويمكن القول بان مايتم على الساحة الامريكية الآن هو افراز طبيعي لحالة الخلل الذي تعيشه السياسة منذ فترة ادارة بوش الابن واستمرت مع ادارة باراك اوباما مرورا بترامب إمتداداً إلى ولاية چو بايدن الحالي .
وعلى الصعيد الروسى سنجد بأن المفتاح الرئيسى لبوتن والذى استغله على نحو جيد حتى الآن هو تعرض العلاقة الأمريكية الغربية لتصدع، فكانت افغانستان هى البداية حيث كان الانسحاب الأمريكى بدون اتفاق مع الغرب ولكن بانفراد أمريكى تام وفى أشهر قليلة ضمت امريكا استراليا إليها والغت اتفاقها مع فرنسا لتقوم بتكوين تحالف يسمى ” اوكوس” الذى كان فى نفس يوم اعلان فرنسا استراتيجيتها الجديدة فى جنوب شرق آسيا كل هذا إلى جانب تحالف ” كواد ” لتنقل الولايات المتحدة الأمريكية التكتيك إلى منطقة الاندوباسفيك، وهذا ما أثر على بالسلب على المفهوم الاستراتيجى لحلف الناتو
لذا تدرك روسيا الآن أن غزوها لأوكرانيا لن توقفه الولايات المتحدة الامريكية والغرب، لأن العلاقة بينهما مشتتة تماماً إضافةً إلى تراجع دور أميركا في منظومة الناتو والأمم المتحدة، والعمل البيئي نتيجة سياسة ترامب السابقة ، كما لاحظ تأثير مشاكل ترامب مع الصين والاتحاد الأوروبي على جانب الاقتصاد والتبادل التجاري، كل هذه تركة ثقيلة تركها ترامب لچو بايدن واليوم يريد ترامب تحميل بايدن هذه الكوارث .
وخلاصة القول وبالإستناد على تلك الاسباب سالفة الذكر فانه في حاله ما أقدمت الصين على إتخاذ خطوات هجومية تنفيذية على جزيرة تايوان والتي تحاول امريكا المحافظه عليها كاخر أمل لها و لبقائها ووجودها وإلا ستكون نقطه اللاعودة و الانعزالية الامريكية الابدية.
و الآن جاء دورك عزيزي القارئ فهل تعتقد بأن الولايات المتحدة الامريكية قد بدأت عوامل إنهيارها بالفعل ام انها سوف تتمكن من استعادة ذاتها ام انها لن تتمكن من الصمود امام الصين وروسيا ؟، هل تعتقد بأن كل ما يحدث على الساحة الدولية الراهنة سوف يؤثر على مكانة الولايات المتحدة الامريكية وهيمنتها ام لا ؟ ،هل تعتقد بأن عصر القطبية الأحادية قد انتهى وحل محله عصر التعددية القطبية؟، كل هذه التساؤلات تنتظر منك التدبر فيها .