التخطي إلى المحتوى

تقرير يكتبه :علاء قنديل

 

كثير من الشائعات والأقاويل، دارت حول علاقة اللواء محمد نجيب بثورة 23 يوليو، وبمجلس قيادتها وهذه الأقاويل لم تكن جديدة كما يتصور البعض، ولكنها قائمة منذ سنوات الثورة نفسها، لتأت شهادة موثقة بخط يد أحد الضباط الأحرار، وصناع الحدث.

 

الرئيس الراحل أنور السادات في كتابه “قصة الثورة” يروي ما حدث ويؤكد بأن هذا حق المواطنين والتاريخ وأنه لا مجال لإخفاء الحقيقة التي سيعلمها الجميع يوما ما، فالمسألة كما يقول السادات ليست شخصية ولكنها مسألة شعب، فكانت مواقف محمد نجيب كثيرة مع مجلس قيادة الثورة وثورة يوليو بشكل عام كما يقول السادات ويحتار من أين يبدأ.

 

البداية، كانت حينما قرر جمال عبد الناصر وضع محمد نجيب علي رأس ثورة يوليو وبأنه قائدها وحينها كان يتعامل نجيب مع أعضاء مجلس قيادة الثورة بأنهم أبنائه لدرجة جعلت عبد اللطيف البغدادي يعلن ذات مرة بأنه يحب هذا الرجل كأبيه تماما، وجعلت السادات يؤكد بأنه يوما خرج للناس ذات مرة وخطب فيهم متحدثا عن محمد نجيب وزعامة محمد نجيب، وبأن عبد الحكيم عامر كان يقف في قريته يبايع نجيب بخطاب حماسي رائع أمام أهل قريته.

“فماذا حدث بعد ذلك؟”، يؤكد السادات أن قصة اللواء نجيب معهم ومع الثورة مليئة بالأحداث والغرائب، بل ويصل إلى أنها أعجب قصة ظهرت في العصر الحديث، وبأن مجلس قيادة الثورة أدخل اللواء نجيب التاريخ من أوسع أبوابه، وجعلوه رمزا لبطولة بهرت العالم كله، فلم يختلف يوما أحد من أفراد الجيش والشعب على زعامة نجيب وبطولته وكان لابد أن يتقدم الصفوف ليحقق أمال البلاد في قائد ثورتها.

 

ويتسائل السادات: “هل استبعد مجلس قيادة الثورة محمد نجيب لأننا نريد الديكتاتورية ونرفض الديمقراطية التي كان يريدها نجيب؟، هل كان نجيب سيطلق الحريات والعدالة والحق؟ وسيجيء للشعب بالديمقراطية، وعلي يد من كان سيحقق محمد نجيب أهداف الثورة؟ هل بمفرده؟”، أم كان سيأتي بمن أقام معهم اتصالاته في مارس المشهور، ويجيء بابراهيم عبد الهادي والهضيبي وبالنحاس وسراج الدين وكل أقطاب الرجعية المصرية ليحكموا البلاد من جديد؟، على حد تعبيره، فكان معروفا أنه كان ينوي تكوين مجلس لرئيس الجمهورية يضم الإخوان والسعديين والوفد والأحرار والدستوريين بعد أن يلغي مجلس قيادة الثورة ويبطش بنا.

ويواصل السادات حديثه، بالرغم من خلع الملك من الحكم مازالت القلة الحاكمة التي كانت حوله موجودة متمثلة في أحزاب وجماعات، وكما يقول السادات إنهم لم يفهموا معنى الانذار الذي وجهناه اليهم بضرورة تطهير أنفسهم، وكان من المفروض أن تسعي تلك الأحزاب لتغير من برامجها وأشخاص قادتها لكي تبعد عن الأذهان الفكرة التي ظلت سائدة عنها، وأن هؤلاء الناس ليسوا سوى تجار سياسة لا يهمهم أكانت مصر في ثورة أو حكم ملكي الأهم بالنسبة لهم أن يحكموا البلاد، والواقع أن موقف الثورة منهم كان خاطئا من البداية فكان لابد للثورة من أن تقضي علي كل التركة التي خلفها لنا الماضي، بحسب تعبيره.

 

يرى السادات، في كتابه، أن الخلاف لم يكن بين شخص محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة ولكن كان قائما بين تجار السياسة من الحقبة الملكية والثورة المصرية الحقيقية التي أرادت إحداث تغيير حقيقي بالحياة السياسية بشكل عام، فقد امتدت يد الثورة الحديدية في تحديد فترة انتقال تبدأ من يناير 1953 وتنتهي في يناير 1956 وألغت الأحزاب، وكذلك بالغاء الدستور، ان قرار الالغاء كان عملا ثوريا ينبع من أصول الثورة المصرية ومن اتجاهها الانساني والشعبي.

ويوضح السادات بأن كان لابد للثورة من إسقاط الدستور وتضع الثورة دستورا ينبع من حاجات الشعب لا من مصالح الحكام أو الطبقات المسيطرة على الاقتصاد، وقد كان اللواء نجيب ضد إسقاط الدستور مثل باقي الأحزاب والهيئات التي كانت تريد الحكم ثم ما لبث أن وافق مثل ما حدث عندما عارض قرارنا بإلغاء النظام الملكي وخرجت وعقدت مؤتمرا صحفيا في خيمة الحرس وأذعت البيان.

 

وعلى ضوء هذا التحليل الواقعي يؤكد السادات أنه يجب أن يطبق الناس مقاييس جديدة في الحكم علي تطور الحوادث في عهد الثورة، وقد انتهي الزمن الذي كانت فيه الاعتبارات الشخصية والمنافسات الحزبية هي المقياس أو المفتاح الذي يفسر مظاهر الوحدة والخلاف بين المسئولين عن مصائر البلاد.