بعد ان لقى مصرعه احمد حسنين باشا لم يبكى الملك فاروق عليه ولو حتى دمعة واحدة حيث .. كان همه منصرفا إلى الاستيلاء على كل أوراق «حسنين» ومنها عقد زواجه العرفى مع الملكة نازلى، أم فاروق وزوجة الملك فؤاد الثانية، حسبما يؤكد «كريم ثابت» مستشار الملك فى الجزء الأول من مذكراته «عشر سنوات مع فاروق».. «راجع، ذات يوم، 19 و20 فبراير 2020».
كان «ثابت» مرافقا للمك فى الساعات التالية لمصرع «حسنين»، ويكشف فى شهادة مثيرة كيف قضى فاروق هذه الساعات والأيام التى تلتها، مؤكدا أن الملك بدا من بعض الدلائل مرتاحا لرحيل رئيس ديوانه.. يذكر أنه بعد أن أنعم على الفقيد بالنيشان وبعد أن اطلع على بعض الأوراق المرفوعة إليه من الديوان الملكى غادر القصر بسيارته الخاصة ورافقه هو، ولما رأه متجها إلى كوبرى قصر النيل تبادر إلى ذهنه أنه عائد إلى دار الفقيد فى الدقى ليكرر العزاء لأهله ومواساته لهم فى مصابهم، فإذا به يسلك الطريق إلى الهرم ويطلق للسيارة العنان.
يعترف «ثابت» أنه كان يظن أنه عرف «فاروق»، وأحاط بأطواره وأحواله، لكن ما حدث منه بعد توغلهم فى طريق الهرم أكد له أنه لا يزال بعيدا عن معرفته وفهمه، بل إنه قد لا يفهمه أبدا، فلماذا تسلل إليه هذا الاعتقاد؟
يذكر «ثابت» أن السيارة ما كادت تقترب من «أوبرج الأهرام» حتى خفف الملك من سرعتها فجأة، ثم أوقفها، ودخلا المكان، ولأن خبر مصرع «حسنين» كان أشيع فى العاصمة، لم يصدق الذين يجلسون فى «الأوبرج» أعينهم وهم يرون الملك فى هذه اللحظات فى مكان عام تعزف فيه الموسيقى ويدور الرقص، بينما رائده ورئيس ديوانه مسجى على فراش الموت.. يتذكر «ثابت»: «على أنغام الموسيقى جلس فاروق يحدثنى عن مأساة أخرى من مآسى القصر، واستهل حديثه بقوله: «لا بد أن هناك مأتما آخر الليلة فى الدقى».. يعلق «ثابت»: «كانت الملكة نازلى منذ خلافها معه «فاروق» تقيم فى الدار التى كانت لوالدها فى حى الدقى».
لم يعقب «ثابت» على عبارة الملك، فأضاف: «إننى أتكلم عن الوالدة، ومن حسن الحظ أن كل شىء انتهى الآن».. يؤكد «ثابت» أنه لأول مرة لم يجد كلمة واحدة يقولها منذ بدء معرفته بالملك، وتركه يتكلم، فتكلم طويلا، ومما قاله إن أمه دخلت عليه يوما ومعها حسنين، وقالت له باسمة، إنهما يستأذناه فى عقد زواجهما، فطار عقلى وهجمت على حسنين وصفعته على وجهه بكل قوتى، ثم طردتهما من حجرتى وأنا ألعنها شر لعنة.. يضيف «ثابت» أن فاروق قال له: «فى مرة أخرى لم أستطع تحمل ما يجرى تحت سقف القصر الذى مات فيه والدى، فأصدرت أمرى إلى الخدم بأن يلقوا بفرش حجرة حسنين فى حديقة القصر».. أضاف فاروق: «بعد طلاق حسنين من زوجته الشرعية بعدما ذاقت المر من أمى، كان أول ما عملته اليوم بعد وفاته أن جمعت أوراقه الخصوصية بنفسى خوفا من أن يكون فيها شىء يتصل بهذه الفضيحة، فيقع فى يد غريبة».
يعلق «ثابت»: «قيل إنه «فاروق» عثر بين تلك الأوراق على عقد الزواج العرفى بين حسنين ونازلى، ولكنه لم يطلعنى عليه».. يضيف: «أردت أن أسأله: كيف احتفظت به «حسنين» فى قصرك، ولماذا أبقيت عليه، بل أردت أن أسأله أكثر من سؤال واحد، ثم إذا به يطرق من تلقاء نفسه موضوع السؤال الأول من غير أن أسأله إياه فيقول:»ولكنى كنت مضطرا إلى الاحتفاظ بحسنين.. كان يعرف طبيعتى وأخلاقى.. وكان يعرف سياستى وأسرارى.. وكان يعرف دخائلى وشؤونى الخاصة.. وكنت فى البداية محتاجا إليه فى عملى، ثم لم أعد فى حاجة إليه، ولكننى كنت اعتدت العمل معه، وكان يريحنى، فظل فى خدمتى بقوة الاستمرار ولا سيما أنه كان فى عمله مطيعا ومؤدبا».
يتذكر «ثابت» أنه بعد انصرافهما من «الأوبرج» وعند كوبرى الجلاء توجه إلى دار حسنين، ليراجع بنفسه نظام الجنازة التى حدثت فى اليوم التالى «20 فبراير، 1946»، وتابعتها الصحف يوم 21 فبراير، مثل هذا اليوم، 1964، ثم خرج من دار حسنين متوجها إلى القصر، وحسب قول ثابت: «نام فاروق فى تلك الليلة وهو يعتقد أن انتهاء علاقة أمه بحسنين تعوضه عما خسر بوفاة رائده ورئيس ديوانه، فإذا نازلى بعد وفاة حسنين تسافر إلى أوروبا، ومن أوروبا إلى أمريكا، وإذا فاروق يقول يوما لنجيب سالم «ناظر الخاصة الملكية» وحسن يوسف «رئيس الديوان الملكى بالنيابة» وكاتب هذه السطور «ثابت»: «لو رأيت أمى الآن لضربتها بالرصاص».