كتب محمد صوابى
تحدثت الدكتورة نادية حلمى الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
عن التجربة الصينية فى كافة المجالات وعلاقتها بالذكاء الإصطناعى، والإستثمار، وكيف تستفيد مصر من تلك التجربة الصينية.
وبسبب التقدم الصينى الهائل فى مجال الذكاء الإصطناعى، حذر نائب وزير الدفاع الأمريكى الأسبق (روبرت وورك) الولايات المتحدة الأمريكية داعياً إياها إلى “أن تقود الولايات المتحدة الأمريكية الثورة القادمة فى تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى فى مواجهة التقدم الصينى، أو أن تصبح ضحية لها”.
فالصين من الدول المتقدمة فى مجال الذكاء الإصطناعى، حيث أدرجته الصين فى (الخطة الإستراتيجية الوطنية) للبلاد فى عام ٢٠١٦. وقد أصدرت الحكومة الصينية لاحقاً العديد من السياسات لدعم تطوير تقنيات الذكاء الإصطناعى، إبتداءّ من حماية رأس المال والملكية الفكرية، وصولاً إلى تنمية الموارد البشرية والتعاون الدولى، وتم التركيز على مجال الدراسات النظرية، لدعم تلك الموارد الدراسية المتعلقة بدمج الذكاء الإصطناعى فى الإقتصاد الوطنى للصين، وتطور الأمر مع التوسع عالمياً بعد إنتشار جائحة كورونا (كوفيد-١٩) ووضعت برامج صينية خاصة ومتطورة فى مجال الذكاء الإصطناعى للإستفادة منها فى قطاع الصناعة والإستثمار والإتصالات.
وفى الصين هناك علاقة بين الجامعات الصينية ومؤسسات الأبحاث والشركات الخاصة، حيث تتعاون تلك الجامعات تعاوناً وثيقاً لإجراء أبحاث فى مجال الذكاء الإصطناعى، ونقل التكنولوجيا المرتبطة به، من خلال تنفيذ برامج تدريب مواهب الذكاء الإصطناعى، وإنشاء مراكز بحثية ومعامل للتطوير وغيرها. وستتناول الباحثة المصرية عدداً من المحاور والنقاط التالية، وهى:
– أولاً: التطبيقات العملية لتكنولوجيا الذكاء الإصطناعى فى الصين
نجد أن التوجه العام الحالى فى الصين يسعى لعمل دمج بين الأجهزة والبرمجيات لجعل تقنيات الذكاء الإصطناعى أكثر قابلية للتطبيق العملى، بواسطة التوسع فى رقائق الذكاء الإصطناعى كفرصة جديدة للاعبين الساعين إلى السيطرة على صناعة الذكاء الإصطناعى المستقبلية.
وأصدرت الحكومة الصينية فى شهر يوليو ٢٠١٧، خطتها الجديدة لتطوير (الجيل الجديد من الذكاء الإصطناعى)، بوضعها جدول أعمال طموح، ومكون من (ثلاث مراحل زمنية) مختلفة، تستهدف نمو قيمة صناعات الذكاء الإصطناعى فى البلاد إلى ما يتجاوز ١٥٠ مليار يوان صينى بحلول عام ٢٠٢٠.
ولعبت عدداً من وبجانب الشركات الصينية الخاصة دوراً كبيراً فى دعم التخطيط الحكومى لتطوير قطاع تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى، ولعب عدداً من الخبراء والباحثين الصينيين دوراً متزايداً فى شركات القطاع الخاص الصينية العملاقة، مثل: (على بابا، بايدو، تنسنت)، لتحقيق إختراقات كبرى فى تكنولوجيات الذكاء الإصطناعى على المدى القصير والطويل، ولاسيما بعد أن أصبحت هذه الشركات منافساً قوياً للشركات الأمريكية والغربية العاملة فى هذا المجال.
– ثانياً: رؤية الرئيس الصينى (شى جين بينغ) فى دعم تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى فى الداخل الصينى والخارج
جاءت رؤية الرئيس الصينى (شى جين بينغ) بشأن أهمية (القوة السيبرانية) فى تحقيق التفوق الإقتصادى والعسكرى، وتعهده بدعم التعاون التكنولوجى بين الدول الأعضاء فى تجمع دول “البريكس”، وذلك خلال إفتتاحه (الدورة التاسعة لتجمع البريكس) فى مدينة شيامين الصينية.
كما جاءت توجيهات الرئيس (شى جين بينغ) بأن تتخذ الصين نهجاً أكثر شمولية، من خلال تغلغل وإختراق التكنولوجيا فعلياً فى جميع طبقات المجتمع الصينى، ومع تقدم تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين، أصبحت الأساليب الرقمية للرقابة والمراقبة والرقابة الإجتماعية جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الصينى، حيث إستفادت حكومة من تقدم تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى كأداة للحفاظ على قوة الدولة وتوسعها وتمكينها.
وفى الوقت الحالى، وبعد إنتشار جائحة كورونا (كوفيد-١٩)، نجحت الحكومة الصينية فى تطوير تقنيات الذكاء الإصطناعى وإستخدامها فى كافة المجالات فى المجتمع، فقد تم تركيب أكثر من ٤٠٠ مليون (كاميرا مراقبة حكومية ودائرة مغلقة)، وذلك فى تقاطعات وزوايا الشوارع وممرات المشاة والحدائق ومناطق الترفيه والأسواق التجارية ومراكز التسوق ومداخل مبانى المكاتب والمتاحف والمعالم السياحية وأماكن الترفيه، الملاعب الرياضية والبنوك ومواقف الدراجات ومحطات الحافلات ومحطات السكك الحديدية وأرصفة الشحن والمطارات.
وتقود الصين الآن مجالات البحث والتطوير العلمى، وتسجل براءات إختراع أكثر من الولايات المتحدة. وهو ما سجلته تقارير صحف (فايننشال تايمز، نيويورك تايمز، فورين أفيرز)، حول مدى التقدم الصينى فى تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى المطبقة الآن فى الميدان المالى والذى يهدد المؤسسات المالية الغربية.
– ثالثاً: طريق (الحرير الرقمى الصينى كجزء من الإستراتيجية الوطنية الصينية) فى تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى
بعد إعلان الصين عن إستراتيجية مبادرة الحزام والطريق العالمية، لعبت شركة هواوى الصينية، فضلاً عن أكبر أربع شركات تكنولوجية صينية، وهى: (بايدو، على بابا، تنسنت، شاومى) فى دعم المشروع الصينى العالمى للحزام والطريق كى تصبح الصين هى القوة الأولى عالمياً بحلول عام ٢٠٤٩.
فسيطرة الصين على تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى ونشرها عبر مبادرة الحزام والطريق، ليس مجرد قضية إقتصادية فقط، بل تستخدمه الصين الآن بهدف إعادة إحياء طريق الحرير الصينى، الذى جاء فى أهم كتاب عن تكنولوجيا الذكاءالإصطناعى وطريق الحرير الرقمى الصينى، بعنوان: “هل يقتل الذكاء الإصطناعى الديمقراطية؟”، وخلص هذا الكتاب بأن التكنولوجيا المتقدمة المرتبطة بالصين قادرة على نشر الأفكار السياسية الصينية فى مواجهة تلك الديمقراطية الغربية والأوروبية.
وزاد الطموح الصينى بعد إنتشار جائحة كورونا (كوفيد-١٩) فى مجمل خطابات الرئيس الصينى (شى جين بينغ)، من خلال تركيز الرفيق “شى” على إستراتيجية شفافة، تقوم على: إستخدام الذكاء الإصطناعى بشكل مزدوج، من أجل ضبط المواطنين داخلياً فى الصين، ثم التحول الصينى الرقمى عالمياً كى تكون القوة الأولى فى العالم فى نفس الوقت، ونشر تكنولوجيتها الرقمية عبر الدول التى تمر بها مبادرة الحزام والطريق الصينية عالمياً.
وتهدف أجندة الصين وفق (الخطة الخمسية الرابعة عشر) فى أكتوبر ٢٠٢٠، بأن تهدف إلى إنتاج أبطال وخبراء عالميين تقنيين فى مجال الذكاء الإصطناعى بحلول عام ٢٠٢٥، وأن تطور الصين تقنياتها فى مجال إستخراج البيانات والمعالجات الدقيقة الجديدة.
ومن هنا، أصبحت الصين الآن قائدة فى مجالات البحث والتطوير العلمى، وتسجل حالياً براءات إختراع أكثر من الولايات المتحدة نفسها.
وبعد إنطلاق طريق الحرير الصينى، نجحت الحكومة الصينية فى نشر بنيتها التحتية التكنولوجية على طول الخطوط الجيوسياسية، فقد أقامت الصين “جدار حماية كبير” سمح للحزب الشيوعى بالسيطرة على شبكة الإنترنت بأكملها، لأسباب سياسية بالأساس لمنع تجنيد الإرهابيين لمواطنين صينيين، وبعض البلدان القريبة من الصين كباكستان، قامت بإغلاق أجزاء من الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) فى البلاد على أشخاص متهمين بكونهم “إرهابييين”.
والنتيجة الآن، وبعد زيادة الحرب التجارية الأمريكية التى تشنها ضد الصين، ومحاربتها شركة هواوى الصينية بدعوى علاقتها بالجيش الصينى أو بالحزب الشيوعى الصينى، أدى ذلك إلى تجزئة الشبكة الرقمية الآن إلى عدة كيانات جيوسياسية ما بين دول نامية وأفريقية تستخدم التكنولوجيا الصينية ودول غربية تستخدم تكنولوجيا متقدمة أخرى.
ومن هنا، إنقسمت بلدان العالم، إلى دول مرتبطة بالصين إقتصادياً عبر طريق الحرير الصينى، قامت بالتزود ببنى تحتية صينية بدل إعتماد التكنولوجيا الغربية المسيطر عليها من قبل الولايات المتحدة وشركاتها الدولية.
إن طموح الصين يتمحور حول “طريق حرير رقمى جديد” يربط العالم معاً بطرق أرضية وبحرية ورقمية، ويسمح للصين بأن تنشر نمطها السياسى والإقتصادى عالمياً.
ومن هنا، حدثت تغيرات جديدة نتيجة المنافسة الصينية الأمريكية فى مجال البنى التحتية الرقمية، لدرجة أن الرئيس الصينى (شى جين بينغ) أعلن حالياً من ٦٠ مليار دولار لتكوين (علماء أفارقة لدعم النمو التكنولوجى المرتبط بالصين).
ونخلص هنا، إلى أن التنافس الصينى – الأمريكى فى مجال الذكاء الإصطناعى قد قسم العالم لقسمين بعد إنتشار (كوفيد-١٩)، فقد جاء الوباء بمثابة إختبار مبكر للكشف عن قدرة كل دولة على تعبئة الذكاء الإصطناعى على نطاق واسع إستجابة لتهديد الأمن القومى، وهو ما تفوقت الصين فيه عالمياً وعلى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.