التخطي إلى المحتوى

يقدمها :محمود احمد 

 

سنة 884 م توفى أحمد بن طولون اللي كان بيحكم مصر وقتها وورث الحكم عنه ابنه ” خماروية ” وكان عمره وقتها 20 عام وكانت مصر في الوقت ده لسه خارجة من عباءة الخلافة العباسية وخيرها أصبح ليها فكثرت الموارد والناس كانت في غَضَارَة من العيش لكن “خماروية ” بدل ما يكمل مشوار والده في البناء والتنمية في ظرف ١٢ سنة وهي سنوات حكمه كان سبب في إفلاس مصر وفي الكام سطر اللي جايين دول هحكيلك مظاهر السفه ده :

أول ما تولى الحكم راح جامع أمهر البنائين مش بس فمصر لا وفي العالم.. وطلب منهم يهدّوا قصر أبيه العريق اللي كان قِبلة ومنارة إنطلاق الدولة الطولونية ويبنوا ليه قصر مهيب عظيم لم ترى البلاد مثله، ويكفي اني أقول لك ان حيطانه كانت مطلية بالذهب واللازورد وداخل القصر عمل بحيرة بديعة التكوين وجوه البحيرة بركة خاصة المياه اللي فيها مخلوطة بماء الورد والزئبق وفي الوسط عدة نوافير مصنوعة من الذهب الخالص ومُطعمة بمجاري ومواسير فضة لتوزيع المياه في البحيرة وفي كل ركن تلاقي طواويس بألوانها البديعة واقفة كده في شموخ وعظمة..

لما الناس لاحظت مدى سفهه وحبه ( للعنطزة) الفارغة اصبحوا بيتفننوا في انهم يعملولوا حاجات عجيبة وهو الحقيقة مكنش بيتأخر فكلما زادت غرابة الفكرة تعاظمت العطية لصاحب الفكرة.. فجاء ليه أحد المستشارين بفكرة سرير عبارة عن مطاط محشوا هواء مضغوط ومكسوا من أعلى بالحرير وعليه نقوشات عربية بخيوط الذهب وكل ده علشان يقعد عليه ويريّح مؤخرته!

تفتكروا يكتفي بكده؟
“المؤرخ المسعودي”بيحكي ان حوالين القصر كان فيه قطعة أرض كده فقرر انه يعمل بستان مُترامي الأطراف وحديقة تحبس الانفاس: في البداية زرعها كالها شجر ونخل من أجود وأندر أشجار الفاكهة ومكتفاش بالنوعيات الموجودة في مصر فبعث يستورد أشجار من بلاد فارس ( إيران) وإيطاليا ومن كُتر جنانه فمرة كان جالس كده يعبث فيما بين أصابع قدمه فمعجبوش منظر جريد النخل فراح كاسيها كلها بالنحاس المُزركش بالذهب ؟؟

من كتر سفهه واستهتاره بعرق المصريين عين حوالي ألف بستاني شغلتهم -فقط- تجميل الحديقة وكان كل شهرين ثلاثة كده يقوم بكتابة قصيدة مثلا عن طريق قصّ تشذيب الأشجار والريحان، ده حتى المقصات اللي كانوا بيستخدموها كانت مصنوعة من الفضة تخيل؟!

كل ده كان بيعمله بدون اي اصلاحات إقتصادية في البلد وأصبح الناس مش لاقيين ياكلوا وشحتّ الموارد زي القمح والشعير لإن التجار اللي كانوا بيجيبوا المحاصيل كرسّوا قوافلهم وسفنهم علشان متطلبات السيد الأمير وبدأت الهمهمات تتسرب للشارع المصري فيعمل ايه ايه عم ” خماروية” علشان يمتص غضب الشعب؟

حاجتين:
-كان ياخد غلمانه وحاشيته ويطوف في شوارع مصر يوزع على الناس دنانير ذهبية ومعاه طاقم إعلامي جعوري الصوت وكل ما يمر بطائفة من الناس يهتفوا الهتيفة اللي جايبهم ” يحيا الملك” وكعادة الغوغاء في الشوارع كانوا بيهتفوا وراهم للأمير مُهللين فرحين بالفتات اللي بيحدفوا ليهم، لكن كان لايزال قلة من اصحاب العقول كانوا شايفيين الدولة المصرية تسير نحو الخراب المحقق إذا استمر الأمير في سفهه وسوء إدارته للبلاد ودول برضه علشان يخرسهم راح عامل
الحاجة الثانية:
-وهي انه يضمن ولاء الجيش والشرطة واصبح يُغدق على قادة جيشه الذهب والفضة ويعمل لهم ولائم مهيبة المحتوى ناهيك عن الترقيات والمكافائات وكل ده علشان هو عارف انه فاشل معدوم الحيلة كحاكم فكان بيحاول يكتسب شرعيته بإفساد اللي حواليه او قمعهم، وأفلح الأمر فكانوا بينكلوا باي صوت يصرخ مناديا باي إصلاحات واستقر له الحكم إلى حد بعيد وحتى أطلقوا عليه لقب ” ابو الجيوش” .. والكلام ده كله موجود نصًا في ” سير اعلام النبلاء” وتحديدا الجزء ال13 ص412..

لو انت مستغرب من اللي قرأته فخليني أقول لك ان ده لا يذكر جنب اللي عمله في زفاف بنته اللي كلنا عارفيناها وهي الاميرة ” قطر الندى” :

زي ما قلت لك مصر كانت تحت عباءة الخلافة العباسية لحد ما احمد ابن طولون استقل بمصر بعيدا عنهم وده كان عامل إحتقان للخليفة العباسي في الوقت ده وهو “المعتمد على الله” ولما مات مسك بعده “المعتضد بالله” وهنا السيد “خماروية” لاقاها فرصة انه يلطف الجو مع الخلافة العباسية وده لأنه هو وجيشه اصابهم التبلد والخمول فميقدروش يدخلوا حرب مرة ثانية مع الخلافة العباسية.. فراح أرسل بعثة مُكونة من نبلاء مصر للخليفة الجديد ومعاهم هدايا يُرى اولها ولا يُرى اخرها وقبلها الخليفة وأقر حكم ” خماروية” اللي بدوره اطمن من جهة العباسيين..

“خماروية” كان برضه مش مطمن من فترة شهر العسل مع العباسيين فجتله فكرة انه ليه ميناسبهمش وكان عنده إبنة شديدة الجمال والنعومة والإستدارة اسمها ” قطر الندى” وكان عمرها 14 عام وعرض على الخليفة انه يزوجها من ابنه فالخليفة قال لا والله ابني لسه صغير ولا يقدر الجواهر لكن ابوه بيعرف يقدر وراح طالبها لنفسه هو وطبعا “خماروية” كان عنده استعداد يبيع حتى بنته علشان يكتسب شرعية في حكمه فوافق..

الزواج ده كان معروف زواج سياسي لان الأميرة عمرها 14 عام والخليفة ماشي في الخمسين وعلشان “خماروية” يثبت ان الزواج ليس بقربانًا لتثبيت أركان حكمه فراح عامل زفاف هو الأكبر والأطول والأشهر في التاريخ اللي قال عنه المقريزي ” لم يدع خماروية” حجرًا كريمًا او قطعة من الذهب في مصر بسببه” فخرجت الاميرة في حاشية مهيبة وتعالى اقول لك ليه بسرعة:

الزفاف خرج من مصر لبغداد واستغرق ثلاث سنوات مش علشان طول الرحلة لأ ده بسبب استكمال مظاهر السفه لإنه من مصر لبغداد كان عامل محطات علشان تنزل فيها الأميرة والناس تشوف مدى الفخامة المحيطة بيها.. اما المحطات دي فكان باني في كل واحدة قصر مجهز بكل ما تحتاجه ومالا تحتاجه.. وأما تجهيزها فيكفي اني اقول لك ان كان جهازها وحُليها بس حمولة عشرين جمل مُحملين بالذهب والزمرد وحتى اللبس كان عامل لها 100 سروال داخلي منس