ويتوقع خبراء أن يستخدم السودان 3 أوراق ضغط سياسية وأمنية واقتصادية، في حال انسداد أفق المفاوضات، ومضي إثيوبيا قدما في اتجاه اتخاذ إجراءات أحادية الجانب، تتعلق بملء وتشغيل السد الذي سيكون الأكبر في القارة الإفريقية.
ويتمثل المسار السوداني الأول في السعي في اتجاه إقناع إثيوبيا بوقف الخطوات الأحادية، من خلال إظهار الأضرار التي يمكن أن تلحق به.
وأعلنت أديس أبابا الشهر الماضي أنها ستمضي قدما في عملية الملء الثاني لبحيرة السد في يونيو المقبل، بمقدار 13.5 مليار متر مكعب، أي ما يقارب 3 أضعاف حجم الملء الأولي المنفذ العام الماضي بمقدار 4.9 مليار متر مكعب.
ويشعر السودان بالقلق إزاء عزم إثيوبيا على ملء ثان لسد النهضة بعد 3 أشهر، من دون اتفاق ملزم يضمن تبادل المعلومات وضمانات التشغيل والإدارة البيئية والاجتماعية، كما يؤكد أن أي إجراء أحادي الجانب للملء سوف يلحق الضرر بالسودان ويهدد أمنه القومي.
ويقول كبير المفاوضين السودانيين رئيس الجهاز الفني للموارد المائية بوزارة الري مصطفى حسين الزبير لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن بلاده بدأت بالفعل اتخاذ الإجراءات الفنية اللازمة لتقليص الأضرار التي قد تنجم عن عملية الملء الثاني، في حال تنفيذها من دون تنسيق بين البلدين.
وأكد الزبير على أهمية التنسيق وتوفير البيانات قبل وأثناء عمليات الملء والتشغيل، وذلك لأسباب جوهرية تتعلق بموقف الخزانات السودانية وخصوصا خزان الروصيرص الواقع على بعد 100 كيلومتر فقط من السد الإثيوبي.
المسار الدبلوماسي
ومن جهة أخرى، بدأ السودان في تكثيف التحرك الدبلوماسي الإقليمي والدولي لشرح الموقف الراهن وخطورته، بهدف الضغط على إثيوبيا بقبول مقترح توسيع مظلة الوساطة إلى لجنة رباعية تضم إضافة إلى الاتحاد الإفريقي، كلا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهو المقترح الذي دعمته القاهرة صراحة خلال الزيارة الأخيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الخرطوم.
وفي إطار هذه الخطوة، أرسل رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، الاثنين، خطابات إلى الجهات الأربع، لتشكيل آلية رباعية للوساطة في عملية المفاوضات، على أن تتولى جمهورية الكنغو الديمقراطية، الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، تنسيق وقيادة هذه الرباعية.
وتضمنت الخطابات ضرورة تغيير النهج السابق وتأسيس نهج يقوم على وجود الشركاء الدوليين الرئيسيين من خلال الآلية الرباعية، للاستفادة من تجربة جولات التفاوض السابقة حول السد الذي تبنيه إثيوبيا بتكلفة تقدر بنحو 5 مليارات دولار، وبطاقة إنتاجية تبلغ 6 آلاف ميغاوات سنويا.
وفي هذا السياق، يقول الزبير إن “الآلية الجديدة تتيح للسودان استخدام القانون الدولي، لضمان عدم الإضرار بمصالحه”.
لكن إثيوبيا ترفض مقترح الرباعية، مستندة إلى اتفاق المبادئ الموقع بينها والسودان ومصر عام 2015، الذي ينص على أنه في حال فشل مفاوضي الدول الثلاث في التوصل لاتفاق “يتم اللجوء إلى الرؤساء”.
وتطالب أديس أبابا بإعطاء مزيد من الوقت للوساطة الإفريقية، وترى أن دور الوساطة يجب أن يركز على تسهيل العملية وليس الإملاء، كما سبق للمتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية أن أكد “حرص بلاده على التوصل لاتفاق يصب في مصلحة الأطراف الثلاثة”.
أوراق الضغط
ومؤخرا كثر الحديث حول أوراق الضغط التي يمتلكها السودان، وحسابات الخسارة والربح المرتبطة بتلك الأوراق.
وبحسب الخبير الاستراتيجي إسماعيل مجذوب، فإن السودان قد يلجأ إلى استخدام العديد من الأوراق في حال الوصول إلى طريق مسدود يستوجب اللجوء إلى “خيارات غير تفاوضية”.
ويشير الخبير الاستراتيجي أيضا إلى “البعد الحدودي بين السودان وإثيوبيا”، حيث “أدت حرب تيغراي الأخيرة في إثيوبيا إلى نزوح عشرات الآلاف من الموالين لجبهة تحرير تيغراي المناوئة لأديس أبابا إلى داخل الأراضي السودانية، حيث يعيشون في معسكرات مؤقتة”.
لكن مجذوب ينبه إلى أنه “في حال عدم توصل السودان إلى اتفاق سلام سريع مع بقية الحركات غير الموقعة على اتفاق السلام السوداني في جوبا أكتوبر الماضي، وخصوصا الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، فإن بإمكان إثيوبيا أيضا استخدام الورقة الأمنية”.
وبرزت مؤشرات قوية في هذا الاتجاه، حيث قال تقرير نشرته وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) قبل نحو أسبوع، إن أديس أبابا قدمت دعما قوات جوزيف توكا القائد في الحركة الشعبية شمال بمنطقة النيل الأزرق، وأشار التقرير إلى أن الدعم شمل أسلحة وذخائر ومعدات قتالية.
واتهم التقرير الحكومة الإثيوبية بـ”السعي لاستخدام توكا لاحتلال مدينة الكرمك السودانية بإسناد مدفعي إثيوبي، بغرض تشتيت جهود الجيش السوداني على الجبهة الشرقية”، وفي المقابل اتهمت لجنة برلمانية إثيوبية السودان ومصر بدعم أعمال العنف التي يشهدها إقليم بني شنقول وراح ضحيتها المئات.
ويلاحظ مجذوب أن “لكل من الجانبين أوراق ضغط أمنية وسياسية”، لكنه يحذر من خطورة استخدام تلك الأوراق ويشير إلى ضرورة السعي نحو حل تفاوضي من دون الإضرار بمصالح أي من الأطراف”.
التجارة والأجواء
ويرتبط السودان بعلاقات اقتصادية قوية مع إثيوبيا، وتقدر التجارة البينية الرسمية بين البلدين بنحو 400 مليون دولار سنويا، فيما يزيد حجم الأموال السودانية المستثمرة في الاقتصاد الإثيوبي على 2.5 مليار دولار.
وتستفيد الخرطوم من ميزة عدم امتلاك أديس أبابا موانئ بحرية تربطها بالتجارة العالمية، لذلك فإن أي إجراءات تقيد التجارة الإثيوبية عبر الموانئ السودانية ستتسبب في أضرار كبيرة للبلدين.
وتشمل أوراق الضغط الاقتصادية الأخرى احتمالية لجوء السودان للاستفادة من حاجة أديس أبابا للأجواء السودانية، التي تشكل الممر الأكثر كفاءة واختصارا للوقت للطيران الإثيوبي العابر للقارات، حيث تمر بالأجواء السودانية يوميا أكثر من 10 رحلات إثيوبية نحو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا وآسيا والأميركتين.
ورغم استبعاد خبير الطيران كابتن عادل المفتي لسيناريو إغلاق الأجواء السودانية أمام الطيران الإثيوبي، فإنه يشير إلى الأهمية الكبيرة لأجواء السودان بالنسبة لأديس أبابا، إذ تعتبر الممر الأرخص والأكثر كفاءة لها بحكم العامل الجغرافي.
ويقول المفتي إن تغيير مسارات الخطوط الإثيوبية سيترتب عليه خسائر كبيرة من حيث زمن الرحلات وحجم استهلاك الوقود بسبب بعد المسارات الأخرى، لكن في المقابل، وفقا للمفتي، فإن السودان سيخسر أيضا مداخيل كبيرة، إذ تعتبر الخطوط الإثيوبية واحدة من شركات الطيران الأكثر عبورا لأجوائه، وبالتالي سيفقد السودان الرسوم اليومية الضخمة التي تدفعها أديس أبابا مقابل العبور اليومي.