التخطي إلى المحتوى

بقلم : محمد عبد العاطى سليم 

تحطمت الأحلام على صخور الواقع الأليم .. وتحجرت الدموع في مقل ارهقها التطلع إلى سراب لامتناهي .. وتاهت العقول وسط زحام مشكلات متشعبة كأرجل أخطبوط .. وانزوت الحياة لتتضاءل وتضمر كفقاعة حروق شفاها الدواء .. وتحول الإنسان إلى مسخ يترنح مخمورا .. تعييه الحيل في البحث عن حياة سعيدة .. وعيش افضل .

 

وباتت الجاهلية البغيضة شعارا لحياة بشر تفتق ذههنم عن فكرة ملعونة فوأدوا البنات لأنهن عار .. ونظروا إلى نصفهم الآخر وشريكهم في الإنسانية على أنه مجرد جسد للتسلي والاشتهاء .. وانحط البعض ليجعل من الخشب والحجارة آلهة معبودة .. يضحي تحت أرجلها بماله ومتاعه .. ظانا أنها من جحيم الحياة تنجيه .

 

هكذا كانت الحياة .. دنيئة .. قميئة .. ظلمات متراكمة من الجهالة .. والحمق .. فتخبط الخلق في العتمات .. وتلطخوا في أوحال حياة غاب عنها العقل .. ومات ضميرها .

 

في تلك الحقبة الحبلى بوساوس الابالسة ولد من اعاد للحياة روعتها .. مشرقا كشمس الضحى .. بلسما يداوى الجراح .. لتسري في شراينها نبض الآمال في غد افضل .. وتفتحت ازاهير بشائره في شهر ربيع الأول .. ولد ليعيد للعالم انسانية نسيتها المجتمعات في زحام الضلال .. وتخبط العشوائيات الشركية .

 

ولد انسان عين الوجود الذي رد للكون جماله .. فبرقت لألئ دعوته النقية لتخرس عذوبتها هزيم الجاهلية الأولى .. وتموت بمولده نعرات العنجهية .. والتباهي بالانساب والاحساب .. وبات العمل الصالح معيارا للتفاضل والتسامي .. وانمحى من قاموس المجالس انا ابن فلان وفلان .. وانسدل الستار على فصول العنصرية .. لتنتهي مهازل التفريق بين تاء التأنيث ونون جمع المذكر السالم .. فالنساء شقائق الرجال .. وشتت بعلومه الإلهية اوهام الخرافات والخزعبلات .. وفاض المال كطوفان .. حتى حمله بعضهم من كثرته في الأجولة .. وقطع أحدهم الذهب بالفؤؤس .. وتنكست اعلام الوثنية .. وولت فلولها تولول مرعوبة .. وانحسر الفسوق .. واستترت سوآته المعيبة .. وتعطرت الأنوف بعبير الطهارة .. بعدما ازكمها الرجس بعفونات تعرقه المتدنس .. واضحى للحياة معنى .. وللوجود قيمة .. وتطلعت الأنظار إلى عالم الخلود بخيراته التي تفوق الخيال جمالا وابهة .. وسمت النفوس وارتقت .. لتزاحم سكان السماء ملائكية .. وحوريات الجنة تألقا .

 

ولد من اعاد للحياة روعتها يتيما .. فقيرا .. حاربه الجميع .. واشاعوا عليه الإفك والأكاذيب .. وتكالبت عليه متاعب الحياة .. فحصد الموت بمنجله ستة من أولاده .. واثنتين من زوجاته .. وحرمه من اعز أصحابه .. اوهنته السنون .. واوجعته الأمراض .. وعركته الحياة فما لان ولا هان .. ولا يأس او للبؤس استسلم .. بل استمسك بحبل الله فنجاه .. وفي مدة تقل كثيرا عن فترات حكم زعماء وملوك – عاشوا وماتوا اصفارا على الشمال – غير وجه التاريخ .. وسطر اسمه في سجل الخالدين العظماء .

 

إنه رسول الإنسانية .. وزين المرسلين .. ونور الله لخلقه .. الرحمة الحقة { سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله سلم } .

فهل يقوى المحتفلون بمولده اليوم على تحقيق معشار ماعاش لأجله .. والمحافظة على ما ورثهم اياه أم لا ؟